ـ(95)ـ
أما القضية الأولى:
فمن الإنصاف المبني على الأدلة العلمية القول: بأن فكرة تحريف القرآن ـ على الأقل بالنقص ـ قال بها بعض من علماء الإمامية في نصوص صريحة لا تقبل ردا ولا تأويلا.
غير أن المنهج العلمي يقتضينا أيضاً أن نتساءل حول مبررات هذه الفكرة ـ أي: تهمة التحريف ـ عند السنة، ثم نتساءل عن قيمتها ووزنها عند الشيعة أنفسهم، بل وزن هذه الفكرة في مدرسة أهل السنة كذلك.
وفيما يتعلق بمبررات أهل السنة التي استندوا عليها وهم يتهمون الشيعة بتحريف القرآن فإننا نقول وكما سبق: إن الأقوال التي يمكن أن تسجل في تراث الشيعة ويفهم منها اعتقاد التحريف لا يكاد يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في القديم والحديث على السواء.
ونتساءل من منهج علمي متجرد: هل يشكل رأي شاذ أو فكرة ينحصر قائلوها في عدد محدود اتجاها عاما يحاكم به المذهب وجمهوره وعلماؤه، ويغدو القول به تهمة توصم به الكثرة الكاثرة من الفقهاء والمفكرين وعلماء المعقول والمنقول وهم لا يحصون عددا على امتداد أربعة عشر قرنا من الزمان ؟
وهل من الحق في شيء أن نأخذ موقفا عاما من مذهب ما بناء على رأي شاذ قيل فيه ؟
إذن فأين ما تصادقنا عليه في أحكامنا حين نقول: هذا رأي شاذ أو رأي ضعيف لا يؤخذ به، وحين نقول أيضاً: هذا هو رأي الجمهور وهو المعول عليه ؟
إذن المنهج العلمي يقضي بأن نحاكم المذاهب برأي الجمهور أو بالرأي المتفق عليه، لا بالرأي الشاذ أو القول الضعيف. وفي ظل هذه القواعد العلمية المأخوذ بها في تراثنا السني يصبح من غير المنطقي ومن غير المعقول أيضاً إطلاق القول: بأن تحريف القرآن يشكل اتجاها عاما في فكر الشيعة الإمامية، وأن لهم مصحفا يغاير المصحف الذي بأيدينا.