ـ(9)ـ
والسياسي ويرسم لنا الموقف المبدئي في كلّ المجالات الحياتية؟!
حياة رسول الله صلى الله عليه وآله بدأت من بناء الفرد، وانتهت بإقامة مجتمع إسلامي يحمل مسؤوليات: بسط العدل، ونشر التحرر، وحمل العلم، وتبديد الظلام في كلّ أرجاء العالم. إنها مسيرة متكاملة الدروس في جميع مرافق الحياة.. فلماذا نستفتيها فقط في الجوانب الهامشية التي لا تمس صميم الحياة؟
السبب يعود إلى الوضع المؤلم الذي يعيشه عالمنا الإسلامي.."فالإناء ينضح بما فيه". والإسلام في جميع أصقاعنا الإسلاميّة يعيش بمعزل عن الحياة، ومن علماء الإسلام من قدر لهم أنّ لا يعالجوا أمراً من الأمور التي ترتبط بمقدرات المسلمين، بل عليهم أنّ يكونوا هامشيين ويعالجون المسائل الهامشية. ولذلك يتناولون السيرة في إطار ما أوكلت إليهم من مسؤولية.
وهذا التعامل مع السيرة يثير ـ دون شك ـ الاختلاف والفرقة، ويثير الإحن والحزازات؛ لأنه إطار ضيق صغير تكبر فيه الخلافات وتأخذ حجماً هائلاً، حتّى يخيل لهؤلاء الصغار أنّ هذه الخلافات تشكل حداً فاصلاً بين الإسلام والكفر، فيتراشقون الفتاوى بالكفر والشرك وإهدار الدم.. كما قال الشاعر المتنبي:
وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
إنّ نظرة هؤلاء إلى السيرة ـ غالباً ـ نظرة إنسان صغير ضيق الأفق، فإذا وجد حركة إصبع مسلم آخر في الصلاة خلافاً لما عرفه في السيرة كبرت المسألة في ذهنه، وتحولت إلى حاجز نفسي يفصل بينه وبين ذلك الأخ المسلم. وإن رأى مسلماً يزور القبور خلافاً لما سمعه أو قرأه في السيرة تصور أنّ بينه وبين ذلك المسلم بعد المسافة بين الإسلام والشرك.
هذه هي النظرة الصغيرة للسيرة. إنها ـ دون شك ـ نظرة ناقصة مشوهة، تجر إلى تمزيق المسلمين وتشتيتهم، وإماتة الروح والحياة في نفوسهم.
والمطلوب: هو الانفتاح على السيرة الكريمة بمعناها الواسع الحركي العملي،