ـ(145)ـ
خاصة ليميزوا الأصيل من الموضوع، وفي أثر ذلك دون علم الرجال وعلم الحديث.
ولا يخفى أنّ الأسباب التي تقدم ذكرها وإن أوجبت الخلاف بينهم في المسائل الفرعية النظرية ولكن مع ذلك في أكثرها مجال للتقريب. وأما في بعضها وإن لم يكن التقريب ولكن لا يختص هذا الخلاف بمذهب دون مذهب، بل يعم جميع المذاهب، وهذا دليل على عدم كون منشأ الخلاف هو المذهب، بل المنشأ فيه هو كونها نظرية والاختلاف في المسائل النظرية أمر طبيعي، فليس منشأ الخلاف فيها الهوى والتعصب، بل يكون منشؤه أصول الشريعة ومصادرها التي يجب على الفقهاء والمجتهدين الاعتماد عليها في مقام استنباط الأحكام للحوادث الواقعة والموضوعات المستحدثة، إذ الفقهاء وإن اعتقدوا بأن كتاب الله هو المصدر الأول وسنة رسول الله هي المصدر الثاني للاستنباط ولكن من جهة اختلافهم في أفهامهم وفي قواعدهم النظرية واختلاف أهل اللغة في بعض الكلمات الواردة في هذين المصدرين واختلاف القراء في قراءة بعض الكلمات في المصدر الأول، واختلاف الرواة في نقل الروايات وتعارضها، وفي اعتبار رواية عند فقيه، وعدم اعتبارها عند الآخر، وفي وثوق مجتهدٍ على راوٍ، وعدم الوثوق به عند مجتهدٍ آخر في المصدر الثاني صار موجباً للاختلاف بين الفقهاء في المسائل النظرية، وهذا الاختلاف في نفسه ليس خطراً على الأمة.
أما أوّلاً: لان هدفهم فيه واحد، وهو الوصول إلى حكم الله ورسوله.
وأما ثانياً: فلأنه يوجب توسعة الفقه من ناحية المصاديق، ولهذه الفائدة قالوا: "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة"(1)، أو "اختلاف أصحابي لأمتي رحمة" (2) أو، "اختلاف أصحابي رحمة" (3) أو "اختلاف الصحابة في حكم اختلاف الأمة" (4) أو "اختلاف أمتي
________________________________________
1 ـ المجتهدون في القضاء: 29.
2 ـ قال أپو ذرعة: روى آدم ابن أبي الفارس عن النبي في كتابه العلم والحلم.
3 ـ أسنده الديلمي مسنداً في الفردوس إلى حديث ابن عباس مرفوعاً.
4 ـ في الفردوس للديملي على من حكى عنه.