ـ(59)ـ
الاستنباط (1)، وهذا الشرط هو المشهور بين علماء الشيعة، وخصوصاً في العصور الأخيرة (2)، وهو مذهب أحمد، وابن سريج، والقفال من أصحاب الشافعي، وجماعة من الأصوليين، وقد اختاره الغزالي (3) كما نقل عن محمد بن الحسن (4).
وقد ذهب جماعة من علماء الإمامية ممن تأخر عن الشهيد الثاني إلى عدم الاشتراط (5)، وليس لنا في هذا المقام إلاّ الإشارة إلى بعض الأدلة، ويترك البحث المفصل إلى محله.
وقد أستدل لعدم اشتراط الرجوع إلى الأعلم حتى في حالة العلم بالخلاف بينه وبين غيره بوجوه:
منها: التمسك بإطلاق الأدلة الواردة في جواز الرجوع إلى الفقيه، بل قد يُقال: إن الغالب فيمن كان الناس يرجعون إليهم عدم الأعلميّة، مع العلم باختلاف الفتاوى، بل شكل هذا سيرة عامة عبر القرون منذ صدر الإسلام.
ومنها: أن هذا الأمر متعسر جداً.
ومنها: بناء العقلاء.
ومنها: تطابق الصحابة وإجماعهم على ذلك. وقد نوقش في هذه الأدلة:
أما الأول: فلأن محل الكلام هو ما علم بالمخالفة بين العالم والأعلم، ونحن
__________________________________
1 ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 659، نقلاً عن إحكام الأحكام للآمدي 3: 173. ويقول صاحب العروة:(المراد من الأعلم: من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة، وأكثر إطلاعاً لنظائره وللأخبار، وأجود فهماً للأخبار. والحاصل: أن يكون أجود استنباطاً).
2 ـ يقول صاحب المعالم ابن الشهيد الثاني: ص 388:(وإن كان بعضهم أرجح في العلم والعدالة من بعض تعين عليه تقليده، وهو قول الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم، وحجتهم عليه: أن الثقة بقول الأعظم أقرب وأوكد، ويحكى عن بعض الناس القول: التخيير).
3 ـ المستصفى 2: 125
4 ـ عمدة التحقيق: 54.
5 ـ مستمسك العروة الوثقى 1: 26.