ـ(218)ـ
وسبب اختلافهم هو: الاحتمال الذي في قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)(1) وذلك: أن لفظة(يعفو) تقال في كلام العرب بمعنى:(يسقط) وبمعنى:(يهب)، كما أن عبارة:(الذي بيده عقدة النكاح) يحتمل أن يكون المراد بها:(الولي)، يحتمل أن يكون المراد بها:(الزوج)، فإذا فسرت(يعفو) بمعنى:(يسقط) فإنها تكون مناسبة للأب؛ لأن تركه النصف الذي تستحقه ابنته إسقاط، وإذن يكون هو المراد بقوله تعالى:(أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح).
وهذا قول جماعة منهم: إبراهيم، وعلقمة، والحسن، ومالك، والشافعي في القديم وقد دعاهم إلى هذا: أن الله تعالى قال في أول الآية:(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم) فذكر الأزواج وخاطبهم بهذا الخطاب، ثم قال:( إلا أن يعفون) فذكر النساء، ثم قال:( أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) فهو صنف ثالث، فلا يرد إلى الزوج المتقدم إلاّ إذا لم يكن لغيره وجود، وقد وجد وهو الولي، فهو المراد.
أما إذا فسر(يعفو) بمعنى (يهب) فإنه ـ حينئذ ـ يكون مناسباً للزوج؛ لأنه هو الذي إذا دفع كل المهر ـ وليس عليه إلاّ نصفه ـ فقد وهب النصف الآخر، وبذلك يكون هو المراد بقوله تعالى:(أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح).
وقد أسند هذا القول إلى: علي، وشريح، وسعيد بن المسيب، واختاره أبو حنيفة، والشافعي في مذهبه الجديد.
وقد روى الدار قطني، عن جبير بن مطعم: أنه تزوج امرأة من بني نصر، فطلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل إليها بالصداق كاملاً، وقال: أنا أحق بالعفو منها، قال الله تعالى:(إلاّ أن يعفو أو يعفون الذي بيده عقدة النكاح).
______________________
1 ـ البقرة 237.