ـ(177)ـ
القياسي، ثم الاجتهاد الاستصلاحي.
الاجتهاد في عصر التابعين
لقد تغيرت الأوضاع الاجتماعية والسياسية في هذا العصر، إذ تحولت الخلافة إلى ملكية بالوراثة، وحدثت حروب داخلية دامية، وقد أدى ذلك إلى أن تطور الاجتهاد كما وكيفاً، حيث جمعت في هذا العصر أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأقوال الصحابة ووثائق اجتهاداتهم، ونشأت مدارس فقهية، وأهمها ثلاث مدارس:
فالأولى: في المدينة، وتسمى ـ(مدرسة المدينة)، وإمامها سعيد بن المسيب.
والثانية: في مكة، وتسمى ـ(مدرسة مكة)، وإمامها عطاء بن رباح.
والثالثة: في العراق، وتسمى ـ(مدرسة الكوفة)، وإمامها إبراهيم النخعي والشعبي.
والمدارس على اختلافها كانت تنظر إلى أقوال الصحابة كسنة يجب اتباعها، حتى فيما لو كانوا مختلفين، فإنهم لا يخرجون عن أقوالهم، بل كان كل تابعي يختار رأي شيخه غالباً، أو يختار أري غيره من الصحابة نادراً. وقد بلغ الاهتمام بقول الصحابي إلى حد اعتبره بعض التابعين حديثاً عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وإن يطرح بأنه حديثه.
وكما تطور الاجتهاد في عصر التابعين كذلك تطور في عصر تابعي التابعين أكثر مما كان، ففيه نشأت المذاهب الفقهية، ودونت أبواب الفقه وأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأقوال الصحابة والتابعين.
وقد كثر الكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في هذا العصر، وظهرت بوادر التزندق وضلالات أهل البدع، خصوصاً في النصف الأول من القرن الثاني.
ففي العصر الأموي لم يهتم الخلفاء بأي شيء من شؤون التشريع إلاّ قليلاً: كعمر بن عبد العزيز الذي أمر قاضيه على المدينة ـ أبا بكر محمد بن عمر بن حزم ـ