ـ(106)ـ
ثم إن هذا الاعتبار العقلائي له فوائد كثيرة منها:
1 ـ ييسر المعاملات ويكيفها تكييفاً عقلائياً، إذ قد يحتاج إنسان إلى أن يبيع شيئاً غير موجود له كما في السلم، أو يشتري بثمن لا يملكه. ولا طريق في هذه المعاملات إلاّ البيع للسلعة في ذمته تسلم بعد مدة معينة، أو الشراء بثمن في ذمته يسلم ـ أيضاً ـ بعد مدة معينة إشباعاً للقانون القائل:(لا بيع إلاّ في ملك) فإن البائع لشيء كلي وإن كان لا يملكه عند البيع كي يبيعه إلاّ أنه تكفي مالكية الإنسان لنفس ذمته التي هي من سنخ مالكيته لنفسه ولأعماله. فالإنسان أولى بإشغال ذمته من غيره، وهو أولى ـ أيضاً ـ بإبقائها على الفراغ.
2 ـ قد يمتلك الإنسان المال الخارجي وهو لا يريد أن يفقده، وفي نفس الوقت هو محتاج إلى إيقاع معاملة على سنخ ما يمتلكه، فلا طريق له إلاّ إيقاع المعاملة على الذمة.
3 ـ قد يقتضي القانون تغريم شخص ما من دون غرض في التحجير على ماله، كما إذا أتلف شخص مال غيره فيكون المتلف ضامناً في ذمته لمن أتلف ماله، وبهذا يكون المتلف مالكاً لأمواله الخارجية، وهو حر في التصرف فيها، كما يكون من اتلف ماله قادراً على التصرف فيما ثبت له في ذمة المتلف من بيع أو هبة مثلاً، وهذا فيه جمع بين الحقين.
4 ـ وفي القرض تصبح عين المال المقترض ملكاً للمقترض، ولكن يستقر عوضه في ذمة المقترض، ويمكن للمقرض أن يوقع بعض المعاملات على المال الذي له في ذمة المقترض: كبيع أو هبة معوضة، كما تقدم ذلك منا في بحث مستقل مستدلين عليه.
5 ـ إن بعض النظريات والأحكام الفقهية لا يمكن تفسيرها إلاّ بافتراض الذمة، مثلاً:
أ ـ صحة التزام الإنسان بما لا حد له من الديون من دون نظر إلى قدرته