ـ(105)ـ
رابعاً: ولكن هناك تعريفاً رابعاً للجمهور فر من القول: بأن الذمة شيء اعتباري إلى القول: بأنها أمر وجودي مادي، فقال فخر الإسلام البزدوي:( إن الذمة نفس لها عهد) ثم أوضحه بأن ذلك من قبيل المجاز بإطلاق اسم الحال( وهو: العهد على المحل، أي: نفس الإنسان، ثم شاع هذا الاستعمال فأصبح حقيقة عرفية)(1).
وهذا التعريف أوقع صاحبه فيما فر منه( وهو الافتراض)، إذ أن تعلق الديون بالإنسان لا يكون إلاّ اعتبارياً، فصاحب التعريف حول التعريف من افتراض المحل إلى افتراض التعلق.
خامساً: وهناك تعريف خامس يفر من القول بأن: الذمة شيء افتراضي، ويقول: بأن الذمة في لسان الفقهاء لم تخرج عن أصل معناها اللغوي وهو العهد(2)، فليس معنى قول الفقهاء:( ثبت في ذمة فلان كذا) إلاّ أنه ثبت بعهده، أو فيما تعهد به، أو التزمه، ويكفي لثبوت الواجبات أن الشارع كلفه بها.
وضعف هذا القول واضح؛ لا نتقاضه بالصغير والمجنون اللذين لا يصح منهما عهد، مع ان الحقوق تثبت عليهما ولو لم يكن لهما مال حيث تستوفى متى امتلكا مالاً.
كما ينتقض بالكبير العاقل إذا أتلف مال غيره من دون وعي، فإنه يتعلق بذمته الضمان مع عدم وجود تعهد سابق بالضمان.
2 ـ الذمة عند فقهاء الإمامية:
الذمة ـ في الحقيقة ـ هي: وعاء اعتباري افترضه العقل للأموال الرمزية(التي لا وجود لها في الخارج)؛ كي يكون موطناً لتلك الأموال التي تتخذ كرمز للأموال الخارجية تطبق حين التنفيذ والأداء على الخارج للرمز على ذي الرمز.
_________________________________________
1 ـ كشف الأسرار(شرح أصول البزدوي) 4: 239 عن الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 3: 219.
2 ـ سمي العهد بالذمة؛ لأن نقضه يوجب الذم، ومن ذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث شريف:(المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم).