/ صفحه 247/
في الفروع الفقهية كلها على رأي واحد أمر غير ممكن، بل هو من قبيل المستحيل، فإننا إذا خلصنا الفقهاء من التعصب المذهبي ـ وذلك شرط أساسي وهو بعيد الوقوع ـ لا يمكن أن نقرر اتفاق منازعهم الفكرية وبيئاتهم الاجتماعية.
8 ـ وهنا يثور اعتراض يبدو بادئ الرأي وجيها، وهو كيف يمكن محو الطائفية، وبقاء المذاهب التي تحملها هذه الطوائف، ونحن في الجواب عن ذلك نقول: إن المذهب ليس ملازماً للطائفة لا يتصور من غير وجودها، فإن الطائفة جماعة تتجمع حول مذهب تعتنقه وتدعو إليه، وتعتبر كل جماعة لا تعتنقه ليست منها، أما ا لمذهب فمجموعة علمية تبقى حافظة كيانها ثابتة، لأنها تراث فكري، وهو بطبيعة أنه أمر معنوى ينفصل عن الجماعة التي تعتنقه، فإذا دعونا إلى محو الطائفية فمعنى ذلك ألا تكون تلك الجماعة التي تتحيز في موضع من الأرض بعنوان طائفي، وتعتبر نفسها موجوداً منفصلا عن غيره من المسلمين بما تتجه إليه، والمذهب باق يعتنقه من يشاء، ويتمذهب به من يريد، يختاره كله مذهباً له، أو يختار بعضا منه، وإن ذلك ينمى المذهب ويحييه، فإن انحيازه في طائفة معينة قد يكون حجابا يمنع غيرها من أن يدرك ما في هذا المذهب من آراء صالحة ذات فائدة خاصة، أو ذات دليل أقوى، أو أقرب ملاءمة للناس من غير مخالفة للنصوص، ولا إهمال لها، ولا مخالفة للمقررات الشرعية الثابتة التي لا يصح لمسلم أن يخالفها.
9 ـ وإنه من الحق علينا في هذا المقام أن نقرر أن مصر في الأحوال الشخصية قد أخذت من المذاهب الإسلامية المختلفة، وقد تحللت من التقيد بمذهب أبي حنيفة، بل أخذت من مذاهب الطوائف، مجتازة كل الحجز، غير ملتفتة للمنزع الطائفي، فقد أخذت أحكام الطلاق المعلق، والطلاق المقترن بالعدد لفظا أو إشارة وكونه لا يقع إلا واحدة، أخذت هذا من الامامية، أي من مذهب الإمام جعفر الصادق، نعم إنها صرحت بأنه أخذته من آراء ابن تيمية وفتاويه، ولكن ابن تيمية صرح بأنه أخذ ذلك من مذهب آل البيت.
وأخذت بتاخير ميراث ولاء العتاقة عن ميراث الأقارب جميعاً، والزوجين من مذهب الجعفرية وهو يسميه: ولاء النعمة.