/ صفحه 394/
فتبعه هرقل بجيشه إليها، ففر منها عند اقتراب هرقل بجيشه منها، وهنا قبض عليه ابنه شيرويه وكبار رجال دولته، ووضعوه في الأصفاد، وقد مات بعد القبض عليه بعدة أيام من الغضب واليأس، وقيل إنهم تركوه من غير طعام حتى مات من الجوع.
وقد أرسل شيرويه إلى هرقل أذل الرسائل، وناداه فيها بقوله: يا والدي ـ واعتذر عن كل ما فعله والده ببلاد الروم، فاستقبل هرقل رسله بالعطف، ورضى بما طلبه من الصلح، على شرط أن يترك كل شبر من الأرض الرومية، ويفك جيمع أسرى الروم، ويرد جميع ما أخذوه من بيت المقدس، ويدفع غرامة حربية قدرها له، فرضى شيرويه بجميع ما شرطه هرقل، وتم الصلح بينهما سنة 628م، فختمت بها الحروب التي مكثت قائمة بين الفريقين ستاً وعشرين سنة.
وقد بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خبر نصر الروم على الفرس في يوم الحديبية، ولم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بد بعد هذا أن يؤدي رسالته إلى كسرى وقيصر لأنه كان من ربه بتبليغها إلى الناس كافة، ومن حقه أن يبلغها إلى هذين الملكين في حدود التبليغ فقط، لأنه لا يملك إلزامهما بها، وعليهما أن يستمعا هذا التبليغ منه، حتى يمكنهما أن يحكما له أو عليه او يسكتا عنه، ولا يصح أن يقل هذا شأناً عما يجب عليهما من سماع شكوى صغيرة من أحد رعاياهما.
وقد بلغهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الرسالة بكتابين منه تلطف بهما في التبليغ ما تلطف، ولم يجاوز حدود رسالته الدينية في هذا التبليغ، فلم يطلب منهما أرضاً ولا ملكا ولا غيرهما من أمور الدنيا، وإنما طلب منهما أن يؤمنا بما جاء به من الهداية، ليسلما من عذاب الآخرة.
فأما كسرى فمزق كتابه حين وصل إليه عتواً واستكباراً، ثم أرسل إلى عامله باليمن أن يوجه إلى من أرسله إليه فيأتي به إليه ليعاقبه عليه، وبهذا ساءت