/ صفحه 393/
فلم يجد الإسلام بداً من أن يكون في جانب الروم على الفرس، وكان هذا في بدء ظهوره وهو لا يزال ضعيفاً بمكة وقريش تضطهده وتحاول أن تقضي عليه قبل أن ينتشر بين الناس، فتعجز عن القضاء عليه بعد انتشاره بينهم، فلم يكن له قوة يستطيع أن يؤيد بها الروم في محنتهم، وإنما كان يملك الأسى لما أصابهم في تلك الحرب، ولا يجد إلا أن يتمنى لهم النصر بعد تلك الهزيمة، وكانت قريش قد أظهرت الفرح لنصر الفرس عليهم، مع أنها لم يكن لها في هذه الحرب ناقة ولا جمل، وإنما هو شأن الجاهلية الجهلاء دائما، تفرح للغالب ولو لم يكن لها شأن بما ناله من نصر، وتشمت بالمغلوب ولو لم يكن لها شأن بما ناله من هزيمة، وقد زادت هذه الشماتة من قريش بهزيمة الروم في ألم المسلمين، وضاعفت من حزنهم لانتصار الفرس على الروم، حتى أنزل الله تعالى في ذلك قرآنا يسليهم ويعدهم بأن هذه الهزيمة للروم سيكون بعدها نصر لهم، وأن هذا لا يتأخر كثيراً بل يكون بعد بضع سنين " الم، غلبت الروم في ادنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " ى 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7 ـ س 30.
وكان أن قام بعد هذا هرقل قيصر الروم بست حملات بين سنتي: 622 ـ 627 م، أخرج فيها الفرس أولا من آسيا الصغرى، ثم هاجم كسرى في بلاده، وقد انقض بقرب مدينة نينوى على الجيش الفارسي وأنزل به هزيمة ساحقة، ولم يستطع كسرى أن ينشئ بعده جيشاً جديداً، فسار هرقل حتى استولى على دستجرد، وكان فيها قصر عظيم لكسرى فاستولى على جميع ما فيه، وغنم غنائم لم ير أحد مثلها منذ استولى الاسنكدر المقدوني على مدينة سوسة.
ثم جاءت لحظة الانتقام من كسرى على طغيانه وجبروته وادعائه أنه أعظم الآلهة وسيد العالم كله، فقد تراجع بعد سقوط دستجرد إلى المدائن قاعدة مملكته،