/ صفحه 239/
إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض " وهكذا ترينا بالمثل الواقعية أن الحياة من مبدئها إلى منتهاها ميدان واحد عام تتناوبه البشرية كلها بأجيالها المختلفة المتعاقبه ويتركه سلفها لخلفها، والله مهيمن على الجميع، يحفظ لكل جيل ما ترك في الميدان من خير وصلاح أو شر وفساد.
* * *
إجمال بعد تفصيل:
ونستطيع أن نجمل تلك الفروق في أن سورة الأنعام تعني بتفصيل الشبه التي وجهت إلى الدعوة، كما تعني بتفصيل البراهين الدالة على صدقها، وبتفصيل ما أحل الله وما حرم، وبتبكيت المعارضين فيما اتخذوه لأنفسهم من حق التحليل والتحريم. وأما سورة الأعراف فإنها وجهت عنايتها إلى تفصيل الإنذار بما أعد للمكذبين في الدار الآخرة، وبما أصاب أسلافهم في الدنيا من عذاب.
ولعلنا إذا نظرنا في هذا الإجمال مع ملاحظة ما فاته من فروق، نرى أن سورة الأعراف هي أول السورتين التي نزلت على القوم، وأنها نزلت في صدر المراحل الأولى للدعوة، فهي تعتمد على الأدلة التاريخية التي يرى القوم آثارها بأنفسهم في ذهابهم وإيابهم وتقلبهم في البلاد، ولا شك أن ذلك هو الذي يناسب مبدا الدعوة الذي لم تتهيأ فيه فرص التفكير للخصم المعاند حتى يقابل في عناده بالحجج والبراهين، وقد كان هذا هو الواقع، فإن سورة الأعراف هي أول سورة طويلة من السور المكية التي عرضت لتفصيل أحوال الأمم السابقين مع رسلهم، ولم يسبقها في هذا الشأن سوى ثلاث سور من المفصل، عرضت كل واحدة منها لإجمال الحديث عن بعض الأنبياء والرسل، وقد كانت سورة " ق " أول هذه السور الثلاث التي عرضت للتذكير بمصير المكذبين " كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود، وعاد وفرعون وإخوان لوط، وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق " ثم جاءت بعدها سورة " القمر " ففصلت في هذا الجانب بعض التفصيل " أنظر الآيات من 9 ـ 42 منها " ثم جاءت سورة " ص ".