/ صفحة 383/
دولة. وأن للإسلام نظرية سياسية واضحة المعالم، هي نظرية الحكم الدستوري النيابي القائم على حق الترشيح وحق الانتخاب وحق المعارضة.
وقد دلت أولى الوقائع بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام على أن المسلمين قد فهموا بوضوح نوع الحكومة المقررة في دستورهم، فكان انتخاب الخليفة الأول خليفة للرسول لا خليفة لله (1) انتخابا شوريا لا غبار عليه، إذ تحققت فيه المبادئ المذكورة، حق الترشيح وانتخاب الأصلح وافساح المجال للمعارضة.
فقد ذكر الطبري (2) وابن قتيبة (3) أنه عقب وفاة الرسول مباشرة، اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في مدينة الرسول حيث اعتاد القوم الاجتماع فيها للداولة في الأمور العامة، كما اجتمع نفر من المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فخطب أولا رئيس جماعة الأنصار وهو يومئذ سعد بن عبادة، وإذ كان مريضاً كان يتكلم بصوت خافت، ويبلغ عنه ابنه قيس، فكان مما ذكر دفاعا عن حق حزبه في تولى الخلافة من دون الناس كافة قوله:
(يا معشر الأنصار! إن لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام، ليست لقبيلة من العرب، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه إلا قليل. والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يعزوا دينه ولا يدفعوا عن أنفسهم، حتى إذا أراد الله تعالى لكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، ورزقكم الإيمان به وبرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

ــــــــــ
وقد منع الجمهور من هذا الاستعمال وقالوا: يستخلف من يتغيب أو يموت وقد نهي عنه أبو بكر لما دعى به وقال لست خليفة لله ولكني خليفة رسول الله (ابن خلدون. المقدمة ص 159 طبعة سنة 1930).
الطبري. تاريخ الأمم والملوك. ج3 ص 207 ـ 209.
ابن قتيبة. الإمامة والسياسة. ص 5 ـ 9.