/ صفحة 53 /
فأظهروها للناس بمظهر الشريعة القاصرة، التي لا تخرج عن دائرة العبادات والمسائل الروحية أو الخلقية، ومنهم من زعم أنها شريعة جامدة في أحكامها، يضيق صدرها بما يحدث للناس من نظم، أو يرون الأخذ به من أسباب، والله يعلم إنها لشريعة الصلاح والخير، ولكنهم قوم يجهلون.
* * *
بعد هذا التمهيد الذي أردنا به لفت أنظار المسلمين على وجه الإجمال إلى شريعتهم، حتى يعتزوا بها، ويشرئبوا إلى آفاقها، ويبنوا صرح مدنيتهم على اساسها، ندلف إلى موضع من موضوعات الفقه الإسلامي، هو: (الكسب المشروع في الإسلام، لنرى فيه مثلا واضحاً على متانة هذه الشريعة، وملاءمتها للحكمة والمصلحة، وتحقيقها لما ينبغي أن يسود المجتمع من صلاح وسلام.
إن الكسب في نظر الشريعة الإسلامية، لا يكون سائغاً ولا مقبولا إلا إذا كان (طيبا) فإن الله لا يقبل إلا الطيب.
ولن يكون الكسب طيباً إلا إذا كان من طريق مشروع.
والطرق المشروعة للكسب كثيرة، وكلها تقوم في التشريع الإسلامي على أسس ثلاثة.
ا ـ التعاون بين أفراد المجتمع.
ب ـ قطع أسباب الخلاف والمنازعات.
جـ ـ رعاية الجانب الخلقي.
ولنعرض لهذه الأسس الثلاثة بشيء من البيان والتفصيل:
(ا) التعاون بين أفراد المجتمع:
الإنسان مدني بالطبع، ولا بد له من أن يعيش في مجتمع، وقد جعله الله خليفة في الأرض، وأودعها جميع ما يصلح به أمر، ويستقيم عليه شأنه من مادة ظاهرة وباطنة، فعليه أن يستغل ذلك استغلالا صالحا، وأن يوزع جهود أفراده