/ صفحة 17 /
وهديه (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (ومن يشاقق الرسول من بعد ما بين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
فالاختلاف في التوحيد وصور العبادات وعقيدة البعث والجزاء تفرق في الدين، والاختلاف في جعل أساس التشريع هو كتاب الله، تفرق في الدين، واتخاذ الاختلاف في الرأي فيما جعله الله محلا للرأي سبيلا للتقاطع والتدابر تلبيةً لورح العصبية المذهبية، تفرق في الدين.
وقد اختلفت الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون هذا الاختلاف المذهبي، ولم ينكر منهم أحد على أحد، ولم يقاطع منهم أحد أحدا، بل اقتدي الشافعي بالحنفي والحنبلي بالمالكي، وبجل عبدُ الله بن عمر، عبدَ الله بن مسعود، وكانوا جميعاً في كل عصورهم مع اختلافهم في الفهم والرأي إخواناً في الله، معتصمين بحبل الله، وما كان أجمل صورة المسلمين وقد اجتمعت وفودهم في المؤتمر الإسلامي الأول بفلسطين في المسجد الأقصى، فصلى بهم أحد كبار مجتهدي الشيعة الإمامية فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، لا فرق بين من يدعى بسني، ولا من يدعي بشيعي، وكانوا جميعاً صفوفا متراصة خلف إمام واحد، يدعون رباً واحداً، متجهين إلى قبلة واحدة (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
وما أجمل أن ترى جماعة التقريب وقد التف أعضاؤها حول منضدة واحدة يبحثون في شئون الإسلام ويستعرضون أحواله ويرسمون خطط الدعوة إلى الله، وفيهم الزيدي والإمامي والحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي، وفيهم رجال الدين ورجال الدولة وغاية الجميع واحدة هي العمل على ضم صفوف المسلمين وتنقيتها من أشواك التفرق.
وهذا هو الوضع الديني الصحيح، ولكن نفراً من المسلمين في الماضي والحاضر لذَّلهم ـ لأمر ما ـ أن يتخذوا من الاختلاف في الآراء والمذاهب سبيلا للتشنيع الذي ولد البغضاء بين المسلمين وفرق كلمتهم، وفي اعتقادي إن هذا النفر