/ صفحه 217/
الرعاع ضلالة وخدعة … فأصبح الجهل باهر الرايات، ظاهر االآيات، فأعدموا العلم وفضله، واسترذلو العرفان وأهله، وانصرفوا عن الحكمة زاهدين، ومنعوها معاندين، ينفرون الطباع عن الحكماء، ويطرحون العلماء العرفاء والأصفياء، وكل من كان من في بحر الجهل والحمق أولج، وعن ضياء المعقول والنقول أخرج، كان إلى إوج القبول والإقبال أوصل، وعند أرباب الزمان أعلم وأفضل.
و جاهل قبل قرع الباب قد ولجا كم عالم لم يلج بالقرع باب منىً

وكيف ورؤساؤهم قوم عزل من سلاح الفضل والسواد، عارية مناكبهم عن لباس العقل والرشاد… فلما رأيت الحال على هذا منوال، من خلو الديار عمن يعرف قدر الاسرار، وعلوا الاحرار، وأنه قد اندرس العلم وأسراره، وانطمس الحق وأنواره، وضاعت السير العادلة، وشاعت الأراء الباطلة، ضربت عن أبناء الزمان صفحا، وطويت عنهم كشحا، فألجأنى خمود الفطنة، وجمود الطبيعة لمعاداة الزمان، وعدم مساعدة الدواران، إلى أن انزويت في بعض نواحى الديار، واستترت بالخمول والانكسار، منقطع الأمال، منكسر البال، متوافرا على فرض أؤديه، وتفريط في جنب الله أسعى في تلافيه، لا على درس ألقيه، أو تأليف أتصرف فيه، إذ التصرف في العلوم والصناعات، وإفادة المباحث ودفع المعضلات، مما يحتاج إلى تصفية الفكر وتهذيب الخيال، عما يوجب الملال والاختلال، واستقامة الاوضاع والاحوال مع فراع البال،‌و من أين يحصل للإنسان مع هذه المكاره التي يسمع ويرى من أهل الزمان، ويشاهد مما يكتب عليه الناس في هذا الاوان، من قلة الإنصاف وكثرة الاعتساف، وخفض الاعإلى والافاضل، ورفع الادانى والا راذل الخ" ثم استشهد برباعى نظمه بعض إخوانه جاء فيه ما ترجمئه: "لا حاجة الاكلام في جواب كل سؤال، فإن العين البصيرة تلتمس العذر لشفة الإنسان عند التزام السكوت" ثم تمثل بكلام للإمام على (عليه السلام)، في الصبر على قلة الانصار وتطليق الدنيا وإيثار الآخرة على الأولى.(1)

ـــــــــــ
(1) الأسفار الأربعة، ج 1، ص 2، 3.