/ صفحه 216/
عن المتسوى العقلى لعصره وارتفاعه عنه ارتفاعا كبيرا، وذلك لأن عصره كان موبوءا بطائفة من الجهلاء "والدروايش" الجامدين الذين يهون عندهم تفكير المفكرين دون تحقيق لأقوالهم، والذين كانوا ينفرون من التعمق في دراسة المسائل النظرية ولا سيما ما كان منها وثيق الاتصال بالدين.
ومما يدل على تفشى الجهل والخلط في ذلك العصر، مارواه مؤلف "قصص العلماء" أن رجلا من أهل المعرفة وجد في كربلاء عند قبر الحسين (عليه السلام)، واحدا من هؤلاء المدعين للعم، الحاصلين على الجاه بفضل هذا الادعاء الباطل، كما هى العادة في عصور الجهلا والجمود، يأخذ بعد صلاة الصبح في لعن كبار العارفين من الصوفية واحدا بعد واحد، وكان ممن تناولهم باللعن صدر الدين، وانتهى بلعن جاره الذي يروى الخبر، وكان لا يعرفه، فسأله عن سبب لعنه إياه فأجاب: لانه يعتقد بوحدة واجب الوجود!
فقال له: فالعنه إذن فإنه حقيق بلعنك بهذه العقيدة. ولم يكن المتعصب يميز بين الاعتقاد بوحدة الوجود ووحدة واجب الوجود.(1)
وعانى صدر الدين كثيرا من المتاعب، وشكامر الشكوى في أكثر من واحد من كتبه من إنكار أهل عصره للحكمة واضطهادهم لطالبيها، فقال في مطلع كتابه الكبير "الأسفار الأربعة" مشيرا إلى سبق عزمه على تأليف كتاب جامع في الحكمة لم يسبق أحد إلى تأليف مثله، ولكن العوائق كانت تمنع من المراد، والعودى الأيام تضرب دون بلوغ الغرض بالاسداد، فأقعدتنى الايام عن القيام، وحجبنى الدهر عن الوصول إلى المرام. لما رأيت من معاداة الدهر، بتربية الجهلة والارذال، وشعشعة نيران الجهالة والضلال، ورثاثة الحال وركاكة الرجال، وقد ابتلينا بجماعة عازلى الفهم، تعمش عيونهم عن أنوار الحكمة وأسرارها، وتلك أبصارهم كأبصار الخفافيش عن أضواء المعرفة وآثارها، يرون التعمق في الامور الربانية، والتدبر في الآيات السباحانية بدعة، ومخالفة أوضاع جماهير الخلق من الهمج

ـــــــــــ
(1) الفيلسوف الفارسى الكبير صدر الدين الشيرازى بقلم أبى عبد الله الزنحجانى دمشق، ص 11.