/ صفحه 147/
وسن الأحكام التي يقضي بها في خصوماتها وتطبق على معاملاتها، لهذا أخذ فقهاء التابعين وتابعيهم وعلى رأسهم فقهاء المدينة السبعة، وفقهاء الكوفة ومكة ومصر، وسائر الامصار الإسلامية في استنباط الأحكام وسن القوانين التي تقتضيها حاجات المسلمين ومصالحهم، وكان أساس اجتهادهم المجموعة الفقهية الأولى، والمجموعة الفقهية الثانية، وكان ميدان اجتهادهم التشريعي فسيحاً، وحاجات المسلمين تتطلب منهم قوانين كثيرة، وقد وفوا بحاجات المسلمين، واستنبطوا الأحكام التي اقتضتها وفي هذه البيئة التشريعية الخصبة، والحركة الاجتهادية المباركة ظهر الائمة المجتهدون أبو حنيفة ومالك والشافعي وداود والاوزاعي وأحمد وكثير غيرهم، فاجتهدوا واستنبطوا واستضاءوا بنور المجموعات الفقهية التي تكونت من قبلهم، وسايروا مصالح المسلمين، وما ضاق الفقه بحاجة ولا قصر عن مصلحة بل استنبطوا الوقائع فرضية، والخصومات احتمالية، وما شعرت حكومة اسلامية ولا فرد أو جماعة من المسلمين بقصور الفقه عن مصالحه أو بالحاجة الي غير الفقه الإسلامي لتدبير شأن من الشئون المدنية أو الجنائية أو التجارية في السلم أو في الحرب، وهذه الموسوعات الفقهية في مختلف المذاهب تشهد بأن أولئك الائمة المجتهدين ما جمدوا ولا وقفوا أمام حادث أو طارئ، وكل عقد أو تصرف أو نوع من المعاملات جد في عهدهم شرعوا له الأحكام التي تتفق والمصلحة، وتكفل للمسلمين ضرورياتهم وحاجياتهم وتحسينياتهم.
ولما انتهى عهد الائمة المجتهدين ونبتت في القرن الهجري الرابع فكرة سد باب الاجتهاد والوقوف عند اجتهادات السابقين، والتزام متابعتهم ظهر نوع من الحرج، لأن الائمة السابقين رضوان الله عليهم ما استنبطوا أحكاماً لكل ما وقع وكل ما يقع، ولأن كل عصر تولد فيه حاجات وتحدث فيه أقضية ومعاملات، وتتجد له مصالح وحاجات، فإذا لم يقنن الفقه الإسلامي لكل ما يجد قانونه، قصر عن مسايرة الناس وتحقيق مصالحهم، وقد وجد اتباع الائمة المجتهدين طريقاً لرفع هذا الحرج، والعمل على أن يظل الفقه نامياً مسايراً تطور المسلمين فاخذوا أنفسهم بأنواع من الاجتهاد، ولكنهم لم يسموها اجتهاداً، فمنهم من أخذوا في استنباط