/ صفحه 146/
لم تواجههم في عهد الرسول، وحدثت لهم وقائع، ظهرت فيهم خصومات، وجدَّت لهم حاجات فنظر خاصتهم وأهل العلم والفتيا منهم في تعرف أحكامها الشرعية، وكان أساس نظرهم واجتهادهم المجموعة الفقهية الأولى بما سنته من احكام وما قررته من مبادئ، وما أرشدت إليه من مصالح، فتوصلوا بالنظر فيها وبالاجتهاد على ضوئها إلى جملة من الأحكام الشرعية العملية، استمدوا بعضها من النصوص من طريق عبارتها أو إشارتها أو دلالتها، واستمدوا بعضها من طريق القياس على ما ورد في النصوص أو رعاية للمصالح المرسلة أو غير هذين من طرق استمداد الأحكام التي أرشدهم إليها الله ورسوله، ومن فتاوى الصحابة واجتهادهم في النصوص وفيما لا نص فيه تكونت المجموعة الفقهية الثانية مبنية على أساس المجموعة الفقهية الاولى، ومبينة وموضحة لنصوصها ومسايرة مصالح المسلمين وحاجاتهم. فكما ساير الفقه مصالح المسلمين في عهد الرسول سايرها في عهد اصحابه وكما نما واتسع في عهد الرسول تبعاً لنمو معاملات المسلمين واتساع دائرة حاجاتهم نما واتسع في عهد أصحابه. وكانت هذه المجموعة الثانية على سنن المجموعة الاولى تشريعاً لحوادث واقعة، في قضاء خصومات عارضة، وليس فيها تشريع لفروض احتمالية، ولا إجابة عن (أرأيت)، وإنما افترقت هذه المجموعة الثانية عن المجموعة الاولى في أنه وجد فيها اختلاف في أحكام بعض الوقائع تبعا لاختلاف الفتاوى التي صدرت من الصحابة فيها. وهذا الاختلاف ضروري الوقوع إما من اختلاف المفتين في فهم النص، أو من وقوف احدهم على سنة لم يقف عليها الاخر، أو من تقديره لمصلحة لم يقدرها الاخر تقديره.
ولمّا انتهى عهد الصحابة وابتدأ عهد التابعين وتابعيهم والائمة المجتهدين في اوائل القرن الهجري الثاني كانت الدولة الإسلامية قد اتسعت رقعتها، وانتظمت بلاداً متنائية، وشعوبا مختلفة النظم والعادات والمعاملات بما فتح الله للأمويين في الشرق وفي الغرب، ودخل في دين الإسلام أفواج من غير العرب من الفرس والروم وغيرهم، ولكل هذه البلاد المتنائية والشعوب المختلفة نظم ومعاملات ومصالح، ما كان للمسلمين عهد من قبل بأكثرها، والحاجة ماسة إلى التقنين لها،