ـ(16)ـ
في الحقيقة إن الإسلام ـ على سعة رقعته الجغرافية والسكانية ـ دين مجهول غريب.
ومظاهره السائدة في العالم الإسلامي لا تدل إطلاقا على انتشار معارفه كما يظن ذلك بعض البسطاء ويدعيه المغرضون.
الاغلبية الساحقة من المسلمين لا يزالون ينظرون إلى الإسلام على أنه مجموعة من الطقوس والعبادات التي لا ترتبط إطلاقا بالحياة ومقومات الحياة، غافلين عن الجانب الأكبر من هذا الدين المبين، وعن مبادئه الحياتية، ظانين أن العمل بجانب من الأحوال الشخصية والعبادات الفردية كاف لأن يصبح الإنسان مسلما كاملا.
هذه الغفلة ليست بأمر طبيعي. وإذا كانت بدايتها ذات أسباب طبيعية، فإن استمرارها كان حتما وليد مؤامرات عدائية وخطط مدروسة ماهرة اتجهت بأجمعا إلى إبعاد المسلمين عن واقع الإسلام.
بعد الثورة الصناعية واستحداث المصانع العملاقة في أوربا، اتجهت أطماع الغربيين إلى ما في آسيا وأفريقيا من ثروات نفطية ومواد خام أخرى، والى ما في هاتين القارتين من أسواق استهلاكية لبضائعهم، ومن هنا جاء الغزو الغربي وبرزت ظاهرة الاستعمار، وامتدت الايدي الطامعة إلى بلدان الشرق متمثلة بالجيوش الغازية تارة، ومستترة تارة أخرى بالارساليات التبشيرية، والكارتلات التجارية، والقروض الطويلة، والهبات، والمستشارين العسكريين، ليجعلوا من هذه البلدان إقطاعيات وعقارات لهم.القوى الغازية الطامعة وجدت أنه لابد من قمع القوة المعنوية في الشرق باعتباره خطوة أولى لفرض الهيمنة، لأن هذه القوة يمكن أن تشكل عقبة أمام أطماعهم التوسعية. وفي بلدان الشرق لم تكن هذه القوة المعنوية سوى الإسلام.