ـ(77)ـ
واجب شرعا، بل هي فرض تكافلي (كفائي) لا يجوز التخلي عنها، أو اغتيالها، بالتقليد أو الجمود، دون إعادة النظر في المنقولات الاجتهادية، لاختلاف الظروف، وتكاثر الوقائع، وإذا كان الاجتهاد (فريضة الدين) فهي أيضاً (أمانة العلم) ولا سيما إذا استدعى ذلك إقامة الدين على (أصوله المستفّره) على حد تعبير الامام الماوردي (1).
أضف إلى ذلك أن (الاجتهاد) ـ في جوهره ـ استجابة لواقع خصيصة (الإبداع الفكرية) المغروسة في طبيعة العقل نفسه فطرة، وإلا ما كان (التطور في الحياة الإنسانية).
غير أن ذلك (الإبداع) مقيد بأن يكون في إطار الشريعة (لا يخرج عنها، ولا يناقض روحها، أو يصادم (القطعيات) فيها، فكانت فريضة الاجتهاد في الإسلام ـ كما ترى ـ مطابقة لفطرة العقل، ولمقتضيات سنة التطور الماضية في هذا الوجود الإنساني!!.
على أن الإمام الشاطبي قد أشار إلى هذا (القيد) المهم في التجديد والإبداع التشريعي والفكري بما فطر عليه العقل الإنساني في أصل خلقته إذا يقول ما معنا:
لا يمكن الاستجابة للحاجات المتنوعة في طبائعها والمتكاثرة، والمصالح المتجددة عبر العصور بحكم سنة التطور في الحياة الإنسانية والوجود البشري ـ ثمرة طبيعية للفكر الإنساني المبدع بحكم فطرته ـ إلاّ بالاجتهاد من أهله، وبذل الطاقة العلمية والفكرية إلى أقصى حدودها وإمكانياتها فكان (الاجتهاد) لابد منه ولا غنى عنه، فضلا عن أن (الاجتهاد) استجابة لواقع خصيصة الإبداع الفكري المغروسة في فطرة العقل نفسه، ولكن في (حدود الشرع) وإلا كان (التخلف) و(الانتكاس) وفقدان التوازن مما لا يتفق وأصول الإسلام قطعا، إذا قد اتجهت إرادة الخالق ـ جل وعلا ـ إلى إقامة مقاصد الشريعة وتنميتها، وحفظها، وهذه المقاصد العامة العليا
______________________
1 ـ الأحكام السلطانية: 5 وما يليها.