ـ(48)ـ
والحق أنه يجب الرجوع في كل مورد إلى بابه من الفقه قبل ان ندرجه تحت القاعدة التي أسست للفرق بين الحق والحكم.
وفي الختام: عن لي بمناسبة البحث عن الاعتباريات في الفقه أن أحكي لكم أيها الكرام كلاماً بنصه للمغفور لـه العلامة الكبير الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في مقدمة كتابه (تحرير المجلة) (1) أي: مجلة العدل، قال رحمه الله:
إن مدار القعود والمعاملات على الأموال، وليس للمال حقيقة عينية خارجية كسائر الأعيان تتمحض في المالية تمحض سائر الأنواع في حقائقها النوعية، وإنما هو: حقيقة اعتبارية ينتزعها العقلاء من الموجودات الخارجية التي تتقوم بها معايشهم، وتسد بها حاجاتهم الضرورية والكمالية، فمثلاً؛ الحبوب والأطعمة مال؛ لأن البشر محتاج إليها في أقواته وحياته، وهكذا كل ما كان مثل ذا من حاجات الملابس والمساكن ونحوها قد انتزع العقلاء منها معنى وصفياً عرضيً يعبر عنه بـ (المال) وهو: من المعقولات الثانوية باصطلاح الحكيم (2).
ولما كانت مدنية الإنسان لا تتم إلاّ بالحياة المشتركة وهي تحتاج إلى المقايضة والتبادل في الأعيان والمنافع وكان التقايض بتلك الأعيان ـ وهي العروض ـ مما لا ينضبط أرادوا جعل معيار يرجع إليه في المعاملات، ويكون هو المرجع الأعلى والوحدة المقياسية، فاختاروا الذهب والفضة، وضربت سكة السلطان عليها لمزيد الاعتبار في أن يكون عليهما المدار، فما ليتهما أمر اعتباري محض، لا فرق بينهما وبين سائر المعادن وغيرها من حيث الذات والحقيقة؛ ولذا في هذه العصور حاول بعض الدول قلب الاعتبار إلى الورق، ولكن مع الاعتماد عليهما.
ومهما يكن الأمر: فإن المال لما كانت حقيقته تقوم على الاعتبار فكما اعتبروا الأجناس الخارجية مالا فكذلك اعتبروا ذمة الرجل العاقل الرشيد مالاً، ولكن مع
______________________
1 ـ طهران عام 1359 هـ ص 8.
2 ـ ـ قد ظهر في أول المقال أن هذا القسم اعتباري صرف، وليس انتزاعياً، ولا من المعقولات الثانية، وأن المعقولات الثانية هي الملازمات العقلية للحقائق الخارجية المنتزعة عنها عقلاً، وليست باعتبارية.