ـ(40)ـ
في غير المعاملات كذلك ـ والظاهر أن كثيراً منها جاء به الإسلام ـ لم يسبقه سابق كأحكام الإرث الخاصة والقضاء الإسلامي إلى غيرها؛ وإن لا ننكر وجود نحو من الإرث والقضاء قبل الإسلام.
وأما العبادات؛ فقد كانت موجودة في الأديان السماوية بنفس الأسماء كما يشهد به القرآن، إلاّ أن الدين الإسلامي مع الاحتفاظ على الأسماء تدخل في كيفية العمل، فغير وبدل منها ما شاء، وحرم منها ما شاء، وربما أضاف إليها أشياء حسب ما اقتضته الحكمة الإلهية مما ليست في وسع الإنسان الإحاطة به.
والظاهر أن التقاليد التي كانت متبعة في جزيرة العرب هي التي بنى عليها الإسلام نظام المعاملات، فاعتبرها إطلاقاً، أو رفضها إطلاقاً، أو قيدها بقيود وشروط، أو اعتبر ما يشابهها حتى كملت ووافقت المصلحة تماما بما يخرج تشريعها عن طاقة البشر. والتقاليد الجارية في غير الجزيرة لابد أن تطبق على ما أمضاه الشارع فيرفض ما عداها. وهذا ما قام به علماء المذاهب الفقهية في الإسلام.
وكذلك التقاليد الحادثة في عصرنا في حقل الحقوق والمعاملات مثل: التأمين واليانصيب وأحكام البنوك وغيرها ـ وهو كثير ـ لا ينبغي رفضها رأسا بحجة عدم وجودها في الفقه الإسلامي، بل يجب على الفقيه أن يزنها بميزان الفقه، وفي مثلها تظهر ثمرة فتح باب الاجتهاد، وأنه ضرورة لابد منها في الإجابة على الحوادث على نطاق جميع المذاهب الإسلاميّة، وكما تعلمون، فإن باب الاجتهاد مفتوح عند الإمامية إلى الآن في جميع الأحكام، سوى الضروريات وما اتفق عليه المسلمون، من غير أن يمنعهم تقليد سابق لمجتهد من العلماء السابقين عن إبراز رأي جديد.
الرابع: لما كانت المفاهيم الشرعية في المعاملات مأخوذة غالبا عن التقاليد العامة للناس ولم تكن واضحة ومحددة عندهم، ولا يعلم كيف اعتبرها الناس أو الشارع، فلذلك اختلفت آراء الفقهاء في تعريفها، وطال الشجار بينهم في تحديدها، فالبيع مثلا عرف تارة بـ (مبادلة مال بمال) وأخرى بـ (تبديل مال بمال) وثالثة بـ (نقل المال بعوض) ورابعة بـ (تمليك العين بعوض) ـ وهو الأشهر بين المتأخرين من فقهائنا