@ 67 @ ما أغنى عنه ماله وما كسب ) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ربه صابرا محتسبا فيما يناله من المحن وضروب الأذى معلنا بالتذكير والإنذار داعيا إلى الله آناء الليل وأطراف النهار وأسلم معه جماعة من السابقين إلى الإسلام كخديجة وعلي وأبي بكر وزيد بن حارثة وعثمان وسائر العشرة سوى عمر بن الخطاب فإن إسلامه كان قد تأخر قليلا ونصبت قريش العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وافترقت كلمتهم عليه وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب وتعاهدت قريش على أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا ينفعوهم بشيء ونال أصحاب رسول الله الذي آمنوا معه من الأذى فوق ما يوصف وهاجر جماعة منهم إلى النجاشي بالحبشة فرارا بدينهم من الفتنة وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب وقام دونه وذب عنه سفهاء قريش ومنعه منهم ما استطاع وكانت خديجة رضي الله عنها توازره على أمره وتسليه وتهون عليه مايلقاه من قومه فكان صلى الله عليه وسلم يرتاح لذلك ويخف عليه بعض ما يجد ثم توفي أبو طالب في شوال سنة عشر من النبوة وتوفيت خديجة بعد ذلك بيسير وكانت وفاتهما قبل الهجرة بثلاث سنين فعظمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصيبة وتتابعت عليه المحن حتى كان يسمي ذلك العام عام الحزن ونالت قريش منه ما لم تكن تطمع في نيله قبل ذلك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الثلاث سنين إذا حضر الموسم خرج إلى قبائل العرب بمنى وطاف عليهم قبيلة قبيلة يدعوهم إلى الله تعالى ويعرض عليهم نفسه ويسألهم النصرة له والقيام معه حتى يبلغ رسالة ربه فإن قريشا قد عتت على الله وكذبت رسوله وردت عليه كرامته ويقول فيما يقول ( يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوني ) .
ولقي صلى الله عليه وسلم في هذه المدة من الشدائد ما رفع الله به في عليين درجته وأجزل به كرامته وشرف منزلته وحاز به في جوار الله تعالى أكرم نزل