[ 230 ] الرجل بما كنت وقفت على بعضه قال: أصبحت ذات يوم وقد نفذت نفقتى، وتقطعت ثيابي، وأنا من الهم والغم على مالا يوصف. فقال لى غلامي: أي شئ نعمل اليوم ؟ فقلت له خذ بلجام الدابة فبعه وانه محلى، وابتع مكانه لجاما جديدا واشتر لنا خبزا سميذا، وجديا حنيذا. فقد قرمت نفسي إلى أكلها وعجل ولا تنس أيضا أن تبتاع أيضا كوز نبيذ لسروري. فمضى الغلام وجلست مفكرا في أمرى وما ألاقى وكيف أعمل. فإذا بباب الدار قد دق دقا عظيما حتى كاد أن ينكسر فإذا رهق شديد، فقلت لغلامي وكان واقفا بين يدى: أخرج فانظر ما هذا ؟ فذهب الغلام وفتح الباب فلم يفتح فكسره وامتلات الدار على غلمانا من الاتراك وغيرهم وإذا باشتاس وهو حاجب المعتصم ومحمد بن عبد الملك الزيات وقد دخلا وطرحت لهما زولية فجلسا عليها وإذا معهما حفارون قال: فلما رأيت ذلك بادرت فقبلت أيديهما فسألاني عن خبرى فخبرتهما به، وأنى خرجت من جملة آهل العسكر طمعا في التصرف وذكرت حالى وما توالت إليه فوعدت وعدا جميلا والحفارون يحفرون فالتفت اشتاس إلى محمد بن عبد الملك فقال: أنا والله جائع. فقال له محمد: وأنا والله جائع. فقلت عند ذلك يا سيداى عند خادمكما شئ قد اتخذ له فإذا أذنتما في إحضاره حضر فقالا: هات. فقدمت الجدى وما كان ابتيع فأكلا واستوفيا وغسلا أيديهما ثم قال لى أشتاس عندك من ذلك الفن شئ ؟ فقلت نعم فسقيتهما من الكوز ثلاث أقداح فجعل أحدهما يقول للآخر ظريف وما ينبغى لنا أن نضيع هذا الجميل، فبينما الحال على ذلك إذ ارتفع تكسير الحفارين فإذا هم قد كشفوا عن عشرين مرجلا دنانير وأخرجت ليتوجهوا بها إلى المعتصم، فلما نهضوا قال أحدهما للآخر فهذا الشقى الذى أكلنا طعامه وشربنا شرابه ندعه هكذا. فقال الآخر ماذا نعمل ؟ نحفن له حفنة من كل مرجل لا تؤثر فيه فنكون قد أعنيناه، ونصدق امير المؤمنين على الحديث. ثم قال حجرك فجعل كل واحد منهما لى حفنة من كل مرجل ثم حملا المال وانصرفا فنظرت فإذا قد حصل لى عشرين ألف دينار، فانصرفت بها إلى العراق فابتعت بها ضياعا وتركت التصرف. ________________________________________