[ 5 ] كلمة المحقق في تراثنا القديم ثروات كبيرة جدا من العلوم والمعارف والفنون، فان علماء الاسلام لم يدعوا علما من العلوم إلا وبحثوه بحثا عميقا، ولم يقفوا على جانب من جوانب المعرفة إلا ودرسوه دراسات طويلة، ولم يكن في زمانهم فن من الفنون إلا وأشبعوه تدقيقا وتمحيصا، وخلفوا للاجيال المقبلة أنواعا من العلوم وطوائف من المعرفة وظرائف من الفنون. وما هذه المعارف التي بأيدنا اليوم - فتية غضة - إلا إشعاعات من تلك اللمعة الوضاءة التي أناروا بها طريقنا بما بذلوه من جهود جبارة وأتعاب منهكة، ولولا تلك المثابرة الطويلة وذلك الجهد المتواصل لما وصلت الينا هذه العلوم ولما جنينا منها هذه الثمار المبروكة. ولكن الذي يؤسف عليه أشد الاسف أن تلك الكنوز الغنية والذخائر القيمة لم تصل إلينا كاملة غير منقوصة، وبصورة جلية يمكننا الوقوف عليها وقوفا يغنينا عن جهد كبير، والارتواء من مناهلها العذبة الروية إرتواءا تذهب بغلتنا. إن الكثير من التراث القديم أبيد بسبب الحروب الطائشة التي أثيرت في البلاد الاسلامية، والتي كانت السبب في إفناء هذه الالوف المؤلفة من الكتب وآثار السلف، كأن الكتب هي العامل المثير لتلك المنازعات والمباغضات فيجب أن تكون طعمة للهيب نار الحروب وفداءا رخيصا للدماء التي أريقت والرؤوس التي حزت والايدي والارجل التي قطعت.. ________________________________________