بالذات. فإن كان الإلهام الذي عبّر به شيخ حرّان يعني هذا المنح، وهذه القدرة المودعة في الإنسان، فلا مجال لإنكاره. وإن عنى غير ذلك، وأنّه تعالى ألهم كلّ أمّة أن ينطقوا بكذا عند إرادة كذا، على مختلف اللغات واللهجات، فهذا غير مقبول ولا هو معقول. فالله هو المانح لقدرة الوضع، لا أنّه الواضع بالذات، فتدبّر. نظرة في صفات الذات: بقي الكلام عن صفات الذات، وأنّه تعالى كيف يُوصف بما يوصف به الخلائق؟ الأمر الذي أجراه أصحاب النظرة السلفيّة على ظاهر التعبير ـ إجماليّاً ـ ومن غير ارتكاب للتأويل في المؤدّى والمفاد. وقد أنكر عليهم أصحاب النظر المتعمّقون، بأنّه يستلزم التشبيه وأحياناً التجسيم في ذاته المقدّسة، فأخذوا بتأويلها إلى ما يتلائم وإطلاقها على الذات المقدّسة، بعيداً عن المتفاهم منها عند إطلاقها على غيره تعالى. فنقول: الصفات الاشتقاقيّة، كالعالم والقادر والحيّ والقيّوم.. لها مفاهيم يتعاهدها أهل العرف واللغة، ولها أصول موضوعة لاحظها الواضع لدى الوضع، وجرى عليها الاستعمال على أنواعه من حقيقة ومجاز، واستعارة وكناية، وسائر أساليب اللغة المتعارفة. هذا بحسب متفاهم العرف واللغة، ولكن لأهل النظر في أصول المعارف تحليلات عقليّة للأوصاف الاشتقاقيّة، يجعلون مفاهيمها ذات معنىً تركيبيّ اقترانيّ، لتكون الصفة ذات دلالة على ذات مقترنة بمبدء الاشتقاق. مثلا: وصف «العالم» يدلّ على ذات ثبت له العلم، أي: ذات كان عارياً، فاقترن به وصف، وتركّب معه تركيب انضمام.