يسلّمه مقاليد الخلافة، سرّ القدرة على الرمز بالأسماء للمسمّيات، سرّ القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها ـ وهي ألفاظ منطوقة ـ رموزاً لتلك الأشخاص والأشياء، وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض، ندرك قيمتها حين نتصوّر الصعوبة لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسمّيات، والمشقّة في التفاهم والتعامل. الأمر الذي يخصّ الإنسان ذاته، حيث تنوّع حاجاته، ومختلف تعامله في الحياة.. ولولا هذه القدرة (الممنوحة له من قبل الله) لكان في مزاولة الحياة مشقّة هائلة لاتتصوّر معها حياة.. فأمّا الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصّيّة، لأنّها لا ضرورة لها في وظيفتهم الملائكيّة.. ومن ثمّ لم توهب لهم.. فلمّا علّم الله آدم هذا السّر ـ أي أودعه هذه القدرة الكامنة في ذاته ـ وعرض ذلك على الملائكة، لم يعرفوا الأسماء ولم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظيّة للأشخاص والأشياء..»[401]. نعم، منح هذا الإنسان ـ لضرورة حياته الاجتماعيّة ـ القدرة على البيان والقدرة على التعبير عن مقاصده بألفاظ ـ هي أصوات خاصّة ـ جعلها رموزاً عليها، ومن المعلوم: أنّ الحاجة هي أُسّ الإبداع والاختراع، ومع العلم بأنّ هذه القدرة منحة إلهية خاصّة بهذا الإنسان، كما في سائر مبدعاته ومخترعاته، وكشفه لأسرار الطبيعة وكوامن الوجود. وعليه، فيكون الإنسان هو المبدع، وهو الواضع للألفاظ رموزاً على المعاني، ومن ثمّ اختلفت الأُمم والأجيال في اللغات وفي اللهجات، كلٌّ حسب حاجته وإلفه في مزاولة الحياة. وهذا يعني: أنّه تعالى هو المانح للإنسان هذه القدرة الجبّارة، لا أنّه الواضع