فقال له: لم تعزلني عن منصب أبي وأجدادي؟ فقال: إنّما عزلك يوم الأربعاء. وكان هذا اليوم مسموحاً فيها للنساء بالصلاة في المسجد، وقد تعرّض هذا الرجل لبعض النساء بأبيات غزلية، فعاقبه الأنور عليها بالعزل[576]. وكان هناك شاعر اسمه ابن هرمة له مع الحسن أحاديث ظريفة، فلمّا ولي الحسن إمارة المدينة قال له: أنا لست كمن باعك دينه رجاء مدح، أو خوفاً من ذمّ، فقد رزقني الله عزّ وجلّ بولادة نبيّه الممادح، وجنّبني المقابح، وإنّ من حقّه عليّ ألاّ أغضي عن تقصير في حقّ ربّي، وأنا أقسم بالله لئن جيء بك سكران لأضربنّك حدّاً للخمر وحدّاً للسكر، ولأزيدنّ لموضع حرمتك بي، فليكن تركك لها لله تعالى، تعن عليها، ولا تدعها للناس فتوكل إليهم[577]. كرمه وكان كريماً سخياً معطاءً. حكى الخطيب البغدادي قال: جاءه في الصباح الباكر مصعب بن ثابت الزبير ومعه ابنه عبدالله، وكان الحسن يهمّ بالركوب إلى مال له بالغابة في الطريق إلى مكّة، واستجارا به حتّى يدفع عنهما ديناً مستحقّاً، فأرسل الحسن إلى صاحب الدين واسمه ابن ثوبان، فسأله، فقال: على الشيخ سبعمائة، وعلى ابنه مائة[578]. فقضى عنهما الدين، وأعطاهما مائتي دينار.. وهذا مجرّد مثل من أمثلة كثيرة. وفاته عاش الأنور حياةً مديدةً، تقدّر بخمسة وثمانين عاماً... ويذكر الرواة في مكان وفاته أقوالاً متعدّدة.