المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن ادخل فيها من التأويل([10])، وعقد فصلاً لبيان تباين الأحكام بتباين الزمان. وهي أيضاً تختلف بتباين الأعراف ـ ان بني الحكم عليها ـ وتبدل الذرائع التي أمر الشارع بسدها، وتنوع ألفاظ الاقرار والأيمان والنذور وغير ذلك، وهي أمور تتطلب المزج بين الواقع والأدلة فيستضاء بآخرهما لانارة أولهما. لذا اشترط بعض العلماء للفتوى معرفة أحوال الناس، وذلك واضح فيما يتبدل بينما في الثوابت لا يشترط ذلك. واغلب المتغيرات انما تتعلق بالوسائل ولا تتعدى إلى الغايات وهي أمور لظروف الحياة الاثر البالغ في توجيهها. 5ـ الحاجة إلى تفنيد البدع التي تسبب غبشاً في التصور لكثير من الناس فلابد من بيان زيفها وذلك يقتضي نقضها بصريح الأدلة، وان كانت لا تلازم الاجتهاد دائماً؛ إلا أنها احياناً تفتقر إليه لالتباس السنة بالبدعة وصعوبة التمييز بينهما احياناً. 6ـ تقارب العالم ومحاولة كل فكر غزو غيره بما يبديه اصحاب كل فكر من مظاهر جذابة تستهوي الناظرين، وشعارات براقة تخدع المبصرين، فالعلمانية بقضها وقضيضها تشن علينا حرباً لا هوادة فيها، والعقلانية ـ التي تقبل من النصوص ما يتوافق مع افرازات عقولها ويحاكمها بتصوراتها ـ والاشتراكية كذلك، وظهرت العولمة أخيراً ساعية لاحتكام الناس إليها في الانظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وهذا كله يؤكد الحديث (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الاكلة على قصعتها…)([11])، فالتداعي كما يكون بالحرب العسكرية يكون بالغزو الفكري بل هو طليعة الأول وخطره أعظم وأثره أطول. وزماننا لا مكان فيه للتقوقع فمن لم يكن ثبوت قدميه أرسخ من الجبال الرواسي عصفت به الأعاصير الهوجاء لصدام الحضارات من ناحية ولتمازجها من ناحية أخرى.