الانبعاثات هي بمثابة شروط الزمان والمكان التي تكتسب مفاعيلها من عالم الثقافة والأفكار. أما ما يتصل بالثقافة الأوروبية فان الحداثة التي تعتبر المكوّن الرئيسي والجوهري لهذه الثقافة، حيث لا تعبر عن نفسها إلا من خلال هذا المفهوم، الذي يختزل تاريخ تطور وتقدم الثقافة الأوروبية من عصر النهضة إلى عصر الأنوار إلى الثورة الصناعية وثورة الاعلام والاتصالات. هذا المفهوم ما لبث ان تعرض لنقد بنيوي صارم بقصد إعادة تقويمه وتشريحه في تكويناته وعلائقه ووظائفه، وبوجه خاص في علائقه بالثقافات الأخرى غير الغربية، ومنها الثقافة الإسلامية. واشدّ هذه الممارسات النقدية جذرية وخطورة جاءت من تيار ما بعد الحداثة، الذي احدث اكبر خلخلة لمفهوم الحداثة بالانقسام والانقلاب عليه، كما انه لم يسلم من النقد حتى من تيار الحداثة ذاته، وحسب “راينهارد” فلقد “أجريت في الإطار النقدي لنظرية ما بعد الحداثة، اعادة تقويم جذرية لمفهوم الحداثة، وفتح بذلك المجال لتفسيرات جديدة للثقافات الإسلامية الحديثة والمعاصرة. ان الملاحظة المهمة بالنسبة إلى مناقشتنا لنقد ما بعد الحداثة، هو انعتاق الحداثة من بنيتها التناقضية، كما ان ذلك الفصل الذي طالما رأيناه من بين الثقافات الغربية وغير الغربية، قد انهار الآن، من حيث ان هذا الفصل قد استند أساساً إلى التصنيف الذي يزعم أن الحداثة شأن غربي، وان التقليد شأن شرقي… لقد قدم النقد الجذري للحداثة، الفرصة كيما تعيد هذه الأخيرة تقويم نفسها، ذلك النقد الذي انطلق في وقت مبكر من السبعينات، والذي تم استخدامه في واقع الحال، في وقت أبكر من قبل العلوم الثقافية غير الأوروبية”.([1]) وعن علاقة الحداثة بمنظومتها الفلسفية والفكرية وشرائطها الاجتماعية والتاريخية قدم “آلان تورين” محاولته النقدية، وكشف فيها عن السجالات الواسعة بين النخب والمثقفين الغربيين حول فكرة الحداثة والإشكاليات التي ظلت تلازمها وتحوم حولها، بما في ذلك الإشكاليات القديمة التي كان يعتقد انها خرجت من حلبة