(280) أهل الكوفة استأذنوا لهم فدخلت معهم. فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أرسلت الى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانى تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم! فقال: لا يقبلون منى، فقلت: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله؟ فقال الصادق: أنت أول من لا يقبل منى. دخلت بغير اذنى. وجلست بغير أمرى. وتكلمت بغير رأيى. وقد بلغنى أنك تقول بالقياس. فقلت: نعم أقول به.. فقال: ويحك يا نعمان أول من قاس ابليس حين أمر بالسجود لآدم فأبى وقال: خلقتنى من نار وخلقته من طين. هل قست رأسك يا نعمان؟ فقلت: كيف؟ فقال: لماذا كان ماء العين ملحا؟ وماء الأذن والأنف مرا؟ ولم كانت الحرارة فى المنخرين؟ وفيهما شعيرات كالغربال؟ ولم كانت العذوبة فى الشفتين؟ فقلت: لا أدرى ! قال: أليست هذه الحواس فى رأسك؟ فقلت: علمنى يا ابن رسول الله ! فقال: أما العينان فهما شحمتان.. ولولا الملح فيهما لذابتا. والماء المر فى الأذنين حجاب من الحشرات والهوام كالنمل والبرغوث، ولو دخلت لأتلفت المخ والأعصاب، والحرارة فى المنخرين.. ومرارة الماء فيهما تحفظ الدماغ من النتن.. أما الشعيرات فانها تدخل الهواء على الرئتين فتدفئه ان كان باردا وترطبه ان كان هواء حارا حتى لا تتأثر الرئتان.. أما عذوبة الشفتين فلكى تستطعم بهما الطعام والشراب وتميز بهما الحلو من الحامض، وليعرف الناس حلاوة منطقك. يا أبا حنيفة أى الذنبين أعظم.. قتل النفس أم الزنا؟ فقلت: القتل، قال: فلم قبل الله شاهدين فى قتل النفس، ولم يقبل فى الزنا الا أربعة شهود؟ أيقاس هذا؟ قلت: لا. قال: فأيهما أكبر البول أم المنى؟ قلت: البول. قال: فلماذا أمر فى البول بالوضوء، وأمر فى المنى بالغسل؟ أيقاس هذا؟ قلت: لا.