شعوب العالم بأسره، فانّ علينا أن نعرف أكثر ما نعرفه عن هذه البلدان وعن شعوبها: ما هي ثقافتهم، وماهي اتجاهاتهم السائدة نحو الولايات المتحدة ونحو النموّ التكنولوجي، وماهي معتقداتهم وانحيازاتهم التي يمكن التعرّف عليها، والافادة منها لجذبهم إلى فلك نفوذنا! وماهي الأبنية الاجتماعية الطبقية السائدة ومراكز القيادة، ومن هم هؤلاء الذين نحتاج تعاونهم أشدّ الاحتياج قبل الشروع في تنفيذ مختلف البرامج، وبعد البدء في هذه البرامج، فانّ علينا أن نواصل جمع الاجابات على هذه الاسئلة جميعها بحرص والتأكّد منها([180]). إنّ الاهتمام الأوربي ثم الاميركي بالشرق المسلم كان سياسياً تبعاً لبعض المصادر التاريخية للمنطقة، لكن الثقافة الاستشراقية كانت هي العامل الرئيسي الذي خلق ذلك الاهتمام، والتي فعلت بحيويّة جنباً إلى جنب مع الشؤون الاقتصادية من أجل أن تجعل من الشرق المكان المنوّع والمطلوب احتوائه. ومن هنا فانّ الاستشراق ليس مجرد موضوع أو ميدان سياسي يتمّ فيه انعكاس صور الثقافة والتمدّن لدى الشعوب، كما أنّه ليس مجموعة كبيرة من النصوص المختلفة حول الشرق وأحواله فحسب، بل هو موسوعة ضخمة تضمّ بين دفتيها مجموعة هائلة من البحوث الاقتصاديّة والاجتماعية والسياسيّة والتاريخيّة والفقهية واللغوية، ومطالب كبيرة وواسعة تتعلّق بالشؤون الجغرافيّة السياسيّة كاملة، تلبّي حاجات كلّ من يهمّ بتنفيذ ما يناسب سياسته ومصالحه. وهذا لا يقوم دون تبنّي وسائل مختلفة تساعد على الوصول إلى الأهداف