والخطير في نفس الوقت، مما أدّى إلى ظهور تيار مضاد في الدول الخاضعة تحت النفوذ العثماني، يدعو إلى القومية العربية، كما سيأتي تفصيله لاحقاً. بالإضافة إلى ما ذكر فإنَّ الدولة العثمانية، ومنذ أن سيطرت على العراق في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، منحت الشركات الأوربية «امتيازات»([47]). سخية. وهذه الامتيازات «شكلت بدورها مدخلاً مهماً لتغلغل النفوذ والمصالح الأوربية في الدولة العثمانية وولاياتها ومنها العراق»([48]). ولم يقف التغلغل الأوربي إلى هذا الحد بل تعداه إلى محاولة مسخ هوية الشعوب الإسلامية العربية، فقد اتخذ هذا التغلغل في «الولايات العراقية العثمانية مظاهر عدة كان أبرزها التثبيت للنفوذ الاقتصادي والسياسي، الذي ترافق معه نشاط تبشيري وثقافي بارز»([49]). بيد أن هذا النشاط، وعلى الرغم من إمكانياته الضخمة، واستعداداته الهائلة «بقي محصوراً بين جدران الكنائس وأروقة المعابد اليهودية، بالإضافة إلى التأثير المحدود الذي خلَّفه على بعض أصحاب النفوس المتهرئة من جيل الشباب الذي انبهر بالتقدم الصناعي والعسكري للغرب، دونما يحدث شرخاً عميقاً في عقيدة الشعب العراقي ككل، وبالعكس من ذلك فقد التفَّ الشعب بأسره حول قيادة علماء الدين، واستوحى منهم دروس العقيدة والجهاد في مقارعة الغزاة الطامعين،