ـ(424)ـ تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتهم بين الناس ان تحكموا بالعدل". وتاريخ القضاء الإسلامي قاطع في ان القضاة كانوا دائما مستقلين في عملهم لا سلطان لأحد عليهم ولا يخضعون في قضائهم إلا للحق والعدل(1). وقد قضى شريح على عمر بن الخطاب في خلافته، وقضى ضد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في خلافته. وكلاهما ترافع إليه وهو يعتقد أنه محق. ومما يؤكد الطبيعة المستقلة للقضاء عن باقي السلطات في الإسلام، ان الإمام يعين القاضي بمجرد تعيينه نائبا عن الإمام، وإنّما نائبا عن الأمة لذلك لا يعزل القاضي من عمله بموت الإمام أو عزله. روي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه لتشريح: "يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي". وكان شريح هذا قد شغل منصب القضاء قرابة خمسين عاماً، وكان متملقا لمعاوية يمحه ويثني عليه، ويقول فيه ما ليس لـه بأهل، وكان موقفه هذا هدماً لما تبنيه حكومة أمير المؤمنين عليه السلام إلا ان عليا عليه السلام لم يستطع عزله، لأن من كان قبله قد نصبه، ولم يكن عزله بسبب ذلك في متناول أمير المؤمنين عليه السلام، إلا انه اكفتى بمراقبته وردعه عن الوقوع فيما يخالف الشرع(2). وعلى هذا الأساس فإن القضاء يعتبر سلطة مستقلة في المفهوم العام عند المسلمين، لا يختلف عما هو متعارف عليه في أيامنا في الشرائع الدستورية الحديثة والأدلة التي أوردناها كافية وتعطي صورة واضحة على ذلك. ___________________________ 1 ـ الإسلام واوضاعنا السياسية، الشهيد عبد القادر عودة ص 236. 2 ـ كتاب الحكومة الإسلامية، للإمام الخميني t ص 74.