ـ(335)ـ على تأييد أعلام المسيحية السابقين، "كالقديس بولس والقديس بطرس، وفلاسفتها، فكرة الخضوع والاستسلام(للسلاطين النابغين) الذي فرضتهم الإرادة الإلهية على الناس"(8). ومن هنا كان الحكم الثيوقراطي حكما مطلقاً لا يحده حد. وتتلخص الكفرة العامة للثيوقراطية التي تجمع في إطارها ثلاث نظريات فرعية، في موضوع السيادة ومصدرها، فتضع للسيادة مصدراً واحداً فقط، هو الله تعالى. وهذه النظريات. أ ـ الطبيعة الإلهية للحكام: وهي أولى النظريات الثيوقراطية، إذ يعود ظهورها إلى الحضارات القديمة، في روما وإيران ومصر والصين واليابان. وتتلخص النظرية في تقديس الإمبراطور أو الملك، باعتباره الإله نفسه أو مظهر الإله أو بان الإله أو ربيب الإله، وأنه صاحب سيادة وسلطة مطلقتين. ب ـ الحق الإلهي المباشر: وظهرت بعد ظهور المسيحية، فلم يعد للحاكم طبيعة إلهية، بل أنه إنسان اختاره الله واصطفاه ومنحه السيادة والسلطة على البشر. وبذلك فهو صاحب سلطة مطلقة أيضا، لأنه يحكم بإرادة إلهية ويستمد سلطته من الله مباشرة. وقد اعتنقت الكنيسة المسيحية هذه الفكرة، واستطاعت من خلالها بسط نفوذها وسلطنها على أوربا، وان كان الإمبراطور أو الملك أو الأمير هو الذي يحكم في الظاهر. وبهذا الشأن يقول القديس "بوسيه" المعاصر لملك فرنسا لويس الرابع عشر: "ان الله هو الذي يعين الملك ويضعه على العرش"(9). كما قال بعض ملوك أوربا: "اننا لم نتلق التاج إلا من الله ولنا وحدنا سلطة القوانين ولا نخضع في عملنا لأحد"(10). ج ـ الحق الإلهي غير المباشر: وقد ظهرت في أعقاب الصراع بين الكنيسة المسيحية وملوك أوربا. الأمر الذي دفع بعض المفكرين السياسيين، ومن أبرزهم القديس توما الاكويني، إلى القول بأن الله تعالى يختار الحاكم بواسطة الشعب. أي ان الإرادة الإلهية تتدخل لتختار الإمبراطور أو الملك، ولكن ليس بشكل مباشر، بل من خلال اختيار الشعب لـه بتوجيه الهي. وهذه النظرية تتمسك بالفكرة العامة للثيوقراطية،