ـ(243)ـ خامساً : الصبر على مقرّرات الحاكم: قد يصدّر الحاكم الإسلامي قراراً لا ينسجم مع مصلحة بعض أفراد الأُمة، ولا يكون مطابقاً لهواهم، كفرض بعض الضرائب الإضافية، أو أجراء الحجز المالي على أموال البعض، أو الدخول في حرب مع الدول المعتدية وإطالة تلك الحرب، أو اعتقال بعض الأفراد المشتبه بهم، أو تهديم بعض المنازل والأسواق لبناء الطرق المهمة للمواصلات وللتجارة أو غير ذلك، فليس أمام بعض أفراد الأُمة إلاّ الصبر على مثل هذه القرارات التي تستبطن المصلحة العامّة، والتي لم يعيها هؤلاء الأفراد، وعلى سبيل المثال أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بعد إكمال معاهدة صلح الحديبية سلّم أبا بصير إلى وفد قريش حسب المعاهدة وسلّم أبا جندل بن سهيل بن عمرو إلى أبيه المشرك، فكان التسليم قراراً أضرَّ بالمسلمين في ظاهره، ولكن في واقع الحال أثبت للمشركين وفاء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بالعهد، وفي نفس الوقت استطاع أبو بصير وأبو جندل الهروب من قبضة المشركين(1). وجاء الفتح الأكبر بعد الصلح، وكان المسلمون لا يفهمون النتائج الإيجابية لموقف الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم في بداية الأمر لذا كرهوا الصلح، وإذا أمعنّا النظر في سيرة المتشرعة وسيرة العقلاء توصلنا إلى صحة وجوب الصبر على مقرّرات الحاكم الإسلامي ان كانت معارضة لبعض من المحققين يشكل على سندها، ولكن السيرة التاريخية للصحابة والتابعين تعضد دلالتها، فقد ورد عنه صلّى الله عليه وآله وسلم انه قال:(على المرء السمع والطاعة فيما أحبّ وكره، إلاّ أن يُـؤمر بمعصية، فان أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)(2). ومن مصاديق هذا الحق هو الصبر على أوامر ومقررات العمّال والأمراء التابعين للحاكم الإسلامي قال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم:(من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فانه ليس من أحد ___________________________ 1ـ الكامل في التاريخ 2: 206. 2ـ صحيح مسلم 3: 1469، سنن ابن ماجة، حديث 2864.