ـ(233)ـ إلى تخيّر الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع لـه في القرص، ولا عهد لـه بالشّبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى... أ أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أُشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة العيش...)(1). ومن مصاديق المواساة الزهد في بيت المال وعدم الاستئثار به، والتقيّد بالدستور الإسلامي في تحديد حقّ الحاكم فيه، ففي بداية خلافة أبي بكر عيّن لـه المسلمون ألفين فقال بعد فترة من الزمن:(زيدوني فانّ لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة) فزادوه خمسمائة(2). وكان الإمام علي عليه السلام حريصاً على بيت المال زاهداً فيه وقد رآه المسلمون في رحبة الكوفة يعرض سيفه للبيع ويقول:(من يشتري منّي سيفي هذا؟ والله لقد جلوت به غير مرّة من وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ولو أنّ عندي ثمن إزار ما بعته)(3). ومواساة الرعيّة من قبل الحاكم الإسلامي ليس أمراً مستحيل التحقيق في المرحلة الراهنة، فقد جسّده الإمام الخميني t في حياته قبل استلام الحكم وبعده، فكانت لـه حصة من بطاقة التموين، يشتري المواد الأساسية بسعر الدولة فإذا نفذت لا يشتري شيئاً من السوق السوداء، ومات t وهو لا يملك منزلاً شخصياً لـه، بل كان يشترك مع أرحامه في منزل ملكوه بالإرث. وقد جسّدها السيد الخامنئي(حفظه الله) حينما كان رئيساً للجمهورية وحينما أصبح قائداً ووليّ لأمر المسلمين فحينما زاره بعض العلماء كان عشاؤه كعشاء الطبقات الفقيرة في المجتمع. فيجب على الحاكم الإسلامي أن يواسي الأُمة في مستواها المعاشي ليكون موضع ثقتها، وليجسّد القيم الإسلامية في واقع الحياة. ___________________________ 1ـ نهج البلاغة 417ـ 418. 2ـ الطبقات الكبرى 3: 185، ابن سعد، دار صادر 1405 هـ. 3ـ كنز العمال 13: 178.