ـ(188)ـ وهنالك مجالات عديدة استشار صلّى الله عليه وآله وسلم أصحابه فيها أو قبل مشورتهم ابتداءً لا موجب لذكرها بعد أن تواتر في كتب السيرة أنه كان صلّى الله عليه وآله وسلم كثير الاستشارة وإن كان مستغنياً عنها لارتباطه بالوحي، ومع كل ذلك هنالك قرارات ومواقف انفرد باتخاذها ولم يستشر أحداً فيها، بل خالف آراء أغلب أصحابه ولم يلتفت لها، ففي صلح الحديبية رفض أغلب الصحابة قرار الصلح واعتبروه ضعفاً، ورفضوا أن يمح الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم اسمه من الرسالة يكتفي بالتوقيع باسم(محمد) دون(رسول الله) ولكنه لم يستجب لآراء الصحابة وأمضى الصلح وكتب في صحيفة المعاهدة:(من محمد) وحذف(رسول الله) وخالف رأي الغالبية من أصحابه(1) ولم يستشر صلّى الله عليه وآله وسلم أحدا في غزوة بني قريظة، ولم يستشر أحداً في التوجه إلى فتح مكة ولم يخبر أحداً إلاّ بعد أن قطع مسافة طويلـة مبتعـداً عـن المدينـة، فكان صلّى الله عليه وآله وسلم لا يستشير في بعض المواقف التي لا تزيدها الشورى قوة بل قد تؤدي إلى الفوضى الاضطراب والتردد وتأخر اتخاذ القرار أو تسرب المعلومات إلى العدو، وفي المجالات التي كان يستشير بها يستمع إلى جميع وجهات النظر ثم يتخذ قراره. قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان يستشير أصحابه ثم يعزم على ما يريد)(2). الشورى في عهد الخلفاء: لا أريد أن أتحدث عن الأحداث التي جرت في السقيفة لأنها محل خلاف بين المسلمين من حيث صحة ما أفرزته من نتائج، ولكن أتحدث عن الواقع العملي بعد ان استقرت حكومة الخليفة الأول ببيعة المعارضين لـه بعد ثلاثة أشهر أو ستة أشهر، ففي الواقع ___________________________ 1ـ سيرة ابن كثير 3: 320، تاريخ اليعقوبي 2: 54. 2ـ المحاسن 601، البرقي، دار الكتب الإسلامية، قم، 1371.