[ 206 ] وجد، وخذ بالحزم والكرم، ودع الاحن، وانظر أخاك عبد الله فلا يناله منك مكروه، فقد عفوت عنه، فقال الرشيد: يا أبت، وتعفو عنه، وقد أتى ما ذكرت، وصنع ما وصفت ؟ قال يا بني: وما علي أن أعفو عمن أكرمني الله على يديه، وأرجو أن يغفر لي بصنيعته بي إن شاء الله. عليك يا بني بتقوى الله العظيم وطاعته، فاتخذها بضاعة يأتيك الربح من غير تجارة، وأوصيك بإخوتك خيرا، وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أقبل حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم، واغفر زلاتهم، وأوصيك بأهل الحرمين خيرا، فقد علمت من هم، وأبناء من هم، أجزل لهم العطاء، وأحسن لهم الجزاء، يكافئك الله في الآخرة والاولى. ثم توفي المهدي من يومه ذاك، واستخلف الرشيد (1)، وخرج إلى الناس يبايعهم بوجه طلق ولسان سلط، فبايعوه ببغداد، وذلك يوم الخميس من المحرم سنة ثلاث وسبعين ومائة (2)، وتمت له البيعة يوم الجمعة في المسجد الجامع، فلم يختلف عليه أحد. ولا كره خلافته مخلوق، فأحسن السيرة، وأحكم أمر الرعية، وكان أوحد أهل بيته، ولم يشبهه أحد من الخلفاء من أهله، رحمه الله. قدوم هارون الرشيد المدينة قال: وذكروا أنه لما كانت سنة أربع وسبعين ومائة، خرج هارون حاجا إلى مكة، فقدم المدينة زائرا قبر النبي عليه الصلاة والسلام، فبعث إلى مالك بن أنس، فأتاه، فسمع منه كتابه الموطأ، وحضر ذلك يومئذ فقهاء الحجاز والعراق والشام واليمن، ولم يتخلف منهم أحد إلا حضر ذلك الموسم مع الرشيد وسمع وسمعوا من مالك موطأه الذي وضع، وكان قارئه يومئذ حبيب كاتب الرشيد. ________________________________________ (1) كذا بالاصل، وهو خطأ فاحش، فالمعروف أن المهدي - وإن كان حسب رواية ابن الاثير يريد عزل الهادي عن ولاية عهده وتقديم الرشيد - كان قد كتب بولاية عهده لابنه موسى الهادي ومن بعده لابنه هارون الرشيد. وبعدما مات المهدي بويع للهادي، وهو بجرجان، ثم وافى بغداد لعشر بقين من صفر سنة 169 (انظر الطبري - اليعقوبي - خليفة - مروج الذهب - ابن الاثير - البداية والنهاية - الاخبار الطوال) ومات موسى الهادي بعيساباذ نحو مدينة السلام سنة سبعين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الاول. وكانت خلافته سنة وثلاثة شهور (مروج الذهب 3 / 397). (2) تقدم أن المهدي مات سنة 169 ه. (*) ________________________________________