[ 205 ] ذكر استخلاف هارون الرشيد قال: وذكروا أنه لما كانت سنة ثلاث وسبعين ومائة توفي المهدي، وذلك أنه خرج يوما إلى بعض المنازل (1)، ومعه أهله وبعض بنيه (2)، وكان قد ذكر أن يستخلف ابنه عبد الله بعده، ثم غفل عن ذلك وتركه، فحمل عبد الله الحرص والطيش إلى أن دس على أبيه بعض الجواري المتمكنات منه بسمه (3)، وبذل لها على ذلك الاموال، ومناها أماني الغرور. فلما سمته، ووصل إليه السم، عرف المهدي أنه قد قتل، فدعا كاتبه فقال له: عجل واكتب عهد هارون الرشيد، وخذ بيعة الجند، وأمراء الاجناد، واكتب بذلك إلى ولاة الامصار، وكان الرشيد أصغر بينه، وكان ابن أمة، لا يطمع في خلافة، ولا يظن بها، فأدخله على نفسه وهو يجود بها، والرشيد لا يعلم أنه مستخلف. فقال له المهدي: أي بني، والله ما أردت استخلافك، ولا هممت به لحداثة سنك، وقد كان قال لي جدك أبو جعفر، وأنت يومئذ قد ترعرعت في أول رؤية رآك: إن ابني هذا الاعين (4) سيلي هذا الامر، ويسير فيه سيرة صالحة، فقلت: يا أبت، أتظن ذلك ؟ قال: ما هو بالظن، ولكنه اليقين، ويكون ملكا بضعا وعشرين سنة، وتقتله الحمى الربع (5)، فاندفع الرشيد باكيا فقال له: ما يبكيك يا فتى ؟ قال: يا أبت، إنك والله نعيت لي نفسي، وعرفتني متى أموت، ومم أموت ؟ قال: هو ذاك، فشمر، واجتهد ________________________________________ (1) في مروج الذهب 3 / 377 " مات بقرية يقال لها ردين " وهي من قرى ماسبذان. وكان موته على المشهور سنة 169. قال في المروج: ليلة الخميس لسبع بقين من المحرم. (2) كان معه ابنه هارون الرشيد، وكان موسى الهادي قد خرج إلى جرجان. (3) في سبب موته أقوال: - أنه خرج يصيد، فاقتحم به فرسه باب خربة فصدمه ومات (الطبري - تاريخ اليعقوبي). - قيل إنه مات مسموما بقطائف أكلها (مروج الذهب). - قيل إنه مات بكمثرتين إحداهما مسمومة سممتها جارية له كانت تقصد قتل وصيفة لها فمرت أمام المهدي وهي تحمل الكمثري - وكان يحب الكمثري فدعا بالجارية التي تحملها وتناول إحداهما - المسمومة - فمات (الطبري) وقال ابن الاثير 4 / 5 في سبب خروجه إلى ماسبذان، أنه قد عزم على خلع موسى الهادي والبيعة للرشيد بولاية العهد وتقديمه على الهادي فبعث إليه، وهو بجرجان في المعنى فلم يفعل، فبعث إليه في القدوم عليه... وامتنع.. فسار المهدي يريده. (وكان موته هناك على ما ذكرنا). (4) الاعين: شديد سواد العين، واسعها. (5) الحمى الربع: التي تأتي المريض يوما وتسكت يومين ثم تأتي في اليوم الرابع (القانون في الطب لابن سينا). (*) ________________________________________