[ 202 ] بركبتيه. ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان، ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إد بلغني (يعني الضرب). قال مالك: فحمدت الله تعالى على كل حال، وصليت على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم نزهته عن الامر بذلك، والرضا به. ثم قال: يا أبا عبد الله، لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني إخالك أمانا لهم من عذاب الله وسطوته، ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، فإنهم ما علمت أسرع الناس إلى الفتن، وأضعفهم عنها، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وقد أمرت أن يؤتى بعدو الله من المدينة على قتب (1)، وأمرت بضيق مجلسه، والمبالغة في امتهانه، ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه. فقلت له: عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم منك. قال أبو جعفر: وأنت فعفى الله عنك ووصلك. قال مالك: ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس، ثم فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روي، واعيا لما سمع، ثم قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الامور، وما اجتمع عليه الائمة والصحابة رضي الله عنهم، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك، ونبثها في الامصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها، ولا يقضوا بسواها، فقلت له: أصلح الله الامير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها، فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلى المدينة، ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله وقال مالك: فبينما نحن قعود إذ طلع بني له صغير من قبة، بظهر القبة التي كنا فيها. فلما نظر إلي الصبي فزع، ثم تقهقر فلم يتقدم. فقال له أبو جعفر: تقدم يا حبيبي، إنما هو أبو عبد الله فقيه أهل الحجاز، ثم التفت إلي فقال: يا أبا عبد الله، أتدري لم فزع الصبي ولم يتقدم ؟ فقلت: ________________________________________ (1) القتب: بفتح القاف والتاء، البرذعة الصغيرة على قدر سنام البعير وهي مهينة، يريد أنه أهانه واستخف به. (*) ________________________________________