[ 40 ] فتبسم الحجاج وأمر بتخلية سبيلهما. قال الشعبي: فو الله ما أتى لذلك الامر إلا نحو من شهرين، حتى رفعت إليه فريضة أشكلت عليه، وهي أم، وجد، وأخت. فقال: من هاهنا نسأله عنها ؟ قال: فدل على، فأرسل إلي، وقال يا شعبي ما عندك في هذه الفريضة، أم، وأخت وجد ؟ فقلت: أصلح الله الامير. قال فيها خمسة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال. من قال فيها ؟ قلت: قال فيها علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت. قال. هات ما قال فيها علي. فأخبرته. قال: فما قال فيها ابن مسعود ؟ فأخبرته، قال: فما قال فيها ابن عباس ؟ فو الله لقد كان متفقها فأخبرته. قال: فما قال فيها أمير المؤمنين عثمان ؟ فأخبرته. قال: فما قال زيد بن ثابت ؟ قلت: أخذها من تسعة أسهم، أعطى الام ثلاثة أسهم، وأعطى الجد أربعة أسهم، وأعطى الاخت سهمين. فلما سمع ما كان من قول كل واحد منهم، وعرف رأيهم فيها. قال يا غلام: قل للقاضى يمضيها على ما قال أمير المؤمنين عثمان. قال الشعبي: ودخلت عليه الترك، قد شدوا أوساطهم بعمائمهم، وانتزعت السيوف من أعناقهم وأخذوا الطوامير (1) بأيمانهم، فدخل عليه رجل من قبل أمير المؤمنين عبد الملك. فقال له الحجاج: كيف تركت أمير المؤمنين وأهله وولده وحشمه ؟ فأنباه عنه وعنهم بصلاح. فقال: ما كان وراءك من غيث ؟ قال: نعم، أصلح الله الامير، أصابتني سحابة في موضع كذا، فواد سائل، وواد تارع، فأرض مدبرة، وأرض مقبلة، حتى صدعت عن الكمأة أماكنها، فما أتيتك إلا في مثل مجرى الضب. فقال للحاجب: ائذن للناس فدخل عليه رجل أتاه من قبل نجد. فقال له: ما كان وراءك من غيث ؟ فقال: كثر الاعصار، واغبر البلاد، وأكل ما أشرف من الحشيشة، فاستيقنا أنه عام سنة. فقال: بئس المخبر أنت. قال: أخبرتك بالذي كان. فقال للحاجب: ائذن للناس، فدخل عليه رجل أتاه من قبل اليمامة. فقال: هل كان وراءك من غيث ؟ قال: نعم. وسمعت الرواد يدعون إلى ريادها، وسمعت رائدا يقول: هلموا أطعمكم محلة تطفو فيها النيران، وتشتكى فيها النساء، وتنافس فيها المعز. فقال له: ويحك، إنما تحدث أهل الشام فأفهمهم. فقال: أصلح الله الامير، أما تطفوا النيران، فيستكثر فيها الزبد واللبن والتمر، فلا توقد نار، وأما أن يشتكى النساء: فإنه من جذبها على إبريق لبنها فتظل تمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضديها، وأما تنافس المعز: فإنها ترأم من نوار النبات وألوان الثمر ما يشبع بطونها، ولا يشبع عيونها، فتبيت، وقد امتلات أكراشها، لها من الكظة شرة تنزل به ________________________________________ (1) الطوامير: جمع طومار وطامور وهو الصحيفة. (*) ________________________________________