[ 55 ] صفة الرب وعلى الثاني إما بكسرها صفة له أو بفتحها صفة للخلق وإنما خص أولي الألباب بالذكر لأنهم الذين يعلمون لاستعداد أذهانهم النقادة وطبايعهم الوقادة أن السماوات والأرضين والشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح والجبال والحيوانات والنباتات والجمادات والمعدنيات وغيرها من البسايط والمركبات مسخرات بأمر الله مذللات لحكمه مضطرات لقدرته متحركات وساكنات لإرادته، وأما غير هؤلاء فلإبطالهم الاستعداد الفطري صاروا بمنزلة البهائم فطمع النظر في صنايع الحق والاستدلال بها على وجوده ووحدته وقدرته كطمع النظر من البهائم بل هم أضل. (وملك الرب القاهر) (1) الملك بالكسر مصدر وقد شاع استعماله فيما يملك قال في المغرب: ملك ملكا وهو ملكه وأملاكه وبالضم العز والسلطنة وجاز هنا إرادة هذه المعاني كلها، والقهر الغلبة والقاهر من أسمائه تعالى لأنه قهر الخلائق بالإيجاد والإفناء بحيث لا يطيق شئ منها الامتناع من نفاذ إرادته (وجلال الرب الظاهر) (2) الجلال العظمة والرفعة ومنه الجليل للعظيم الرفيع وإذا أطلق ________________________________________ 1 - " ملك الرب القاهر " القاهر صفة الملك وقهر الرب محسوس مدرك للإنسان في نفسه إذا اعترف به تفطن بشعوره الباطني لما هو مخمر في طبعه من الإيمان بربه وإذا انهمك في لذات الدنيا وشهواتها وظن نفسه قادرا متمكنا في ما يريد تكبر واستكبر وغفل من مستجن ما في كمونه وزعم استغناءه عن الله تعالى فهذا الدليل راجع إلى وجدان الإنسان ربه بقلبه كما قال تعالى * (وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) * إلى غير ذلك من الآيات وقد مر في الحديث الثاني من هذا الباب قوله (عليه السلام) لابن أبي العوجاء " كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوك ولم تكن وكبرك بعد صغرك وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك " إلى آخر ما قال (عليه السلام) فإنه رد على المانوية وإثبات لوجود الله تعالى بأن اختلاف هذه الأحوال لا يمكن أن تنسب إلى غلبة النور أو الظلمة فإن أحدهما إذا غلب غلب بجميع مظاهره ولا يعقل غلبة بعضها دون بعض مثلا السقم من مظاهر غلبة الظلمة والصحة من مظاهر غلبة النور والغضب من مظامر الظلمة والرضا من مظاهر النور فإن كان هذا هكذا وجب أن يكون الغضب دائما مع المرض والرضا دائما مع الصحة وليس كذلك ومع ذلك فاختلاف الأحوال الطارية يوجب شعور الإنسان بمقهوريته وهذا يوجب التفاته إلى باطن قلبه فيجد الاعتراف به مخمرا في طينته. (ش) 2 - قوله " وجلال الرب الظاهر " والظاهر صفة الجلال والجلال جمال وزينة مع هيبة وظهور جلاله تعالى إنما هو في مخلوقاته ألا ترى أنك إذا نظرت إلى أمواج البحر وسعة الماء بهجة الحدائق وخضرة المروج وألوان الأزاهير كيف يعتريك شوق ولذة ممزوجة بهيبة وتدركها شبه الخوف يقشعر منه جلدك لا خوفا تتقيه وتفر منه بل خوفا ممزوجا بلذة تشتهيه. وهذا صفة الجلال الظاهر وإذ ليس الجمال والجلال شيئا ماديا موجودا في الأجسام فهو في نفسك حاصل من الشعور بجلال العلة وجمالها، وإنما قلنا ليس موجودا ماديا لأنه يختلف إدراكه باختلاف المدركين فما يستحسنه الإنسان لا يستحسنه الحيوانات الأخر وبالعكس مثلا النور جمال يستحسنه الإنسان ويستقبحه الخفاش والحشرات تفر منه إلى الظلام وجمال الخضرة يدركه بعض الحيوانات ولا يدركه بعضها وتدرك ذكور الخنفساء جمالا في إناثها وإناثها في أولادها لا تدركه غيرها وقد أشير إلى هذا الاستدلال في آيات كثيرة = (*) ________________________________________