[ 59 ] ملكا ليسدده ويلهمه الحق، ومن جملة غضب الله تعالى على بعض أنه يخلي بينه وبين الشيطان ليضله عن الحق ويلهمه الباطل وبأن الله تعالى يحول بين المرء وبين أن يجزم جزما باطلا، إذا عرفت هذا فنقول: فيه رد على المعتزلة القائلين بأن المعرفة نظرية وجب على العبد تحصيلها بالنظر وأن العلوم النظرية كلها من صنع العبد بطريق التوليد الذي هو إيجاب لفاعله فعلا آخر كإيجاب حركة اليد لحركة المفتاح (والرضا والغضب) الرضا: كيفية نفسانية تنفعل بها النفس وتتحرك نحو قبول شئ سواء كان ذلك الشئ مرغوبا لها أو مكروها، والغضب: حالة نفسانية تنفعل بها النفس وتتحرك نحو الانتفام، وقد يطلقان على نفس الأنفعال (والنوم واليقظة) النوم كما عرفت سابقا: حالة تعرض الحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس عن أفعالها لعدم انصباب الروح الحيواني إليها، واليقظة: زوال تلك الحالة. ________________________________________ = الحرارة من الثلج والبرودة من النار، فإذا كان سبب الرأي والاعتقاد تقليدا الآباء الذين يعترف المعتقد بعدم كونهم معصومين عن الخطأ فهذا التقليد يوجب الظن لا العلم لكن المعتقد أخطأ في معاملة العلم مع هذا الظن والجزم به لعدم الإلتفات إلى خلافه، وكذلك إذا كان مستند الرأي أن عدم الوجود ان يدل على عدم الوجود أو توهم إنعكاس الموجبة الكلية كنفسها وأمثال ذلك مما يسمى جهلا مركبا قد يجزم المعتقد به من غير أن يعلم به وقال أهل المنطق والأصول: العلم هو الاعتقاد الثابت الجازم المطابق للواقع فالجزم الغير المطابق للواقع ليس علما بل هو ظن، أي رجحان في طرف، وإن ضايق أحد في تسميته ظنا فعليه أن يثبت واسطة بين العلم والظن بأن يقول الطرف الراجح مع احتمال المرجوح أما أن يكون المعتقد به ملتفتا الى احتمال المخالفة فهو الظن أو غير ملتفت وهو الجزم لكن في القرآن الكريم أطلق الظن على جزم الدهرية بمذهبم كما مر. (ش) (*) ________________________________________