[ 58 ] الجهل المركب فليس منه تعالى ومن زعم أنه منه فهو ذو جهل مركب بل هو من الشيطان (1) وقال الفاضل الأستر آبادي في الفوائد المدنية: هنا إشكال كان لا يزال يخطر ببالي في أوائل سني وهو أنه كيف نقول بأن التصديقات فائضة من الله تعالى على النفوس الناطقة ومنها كاذبة ومنها كفرية وهذا إنما يتجه على رأي جمهور الأشاعرة - القائلين بجواز العكس بأن يجعل الله كل ما حرمه واجبا وبالعكس - المنكرين للحسن والقبح الذاتيين لا على رأي محققيهم ولا على رأي المعتزلة ولا على رأي أصحابنا. والجواب أن التصديقات الصادقة فائضة على القلوب بلا واسطة أو بواسطة ملك وهي تكون جزما وظنا والتصديقات الكاذبة تقع في القلوب بإلهام الشيطان وهي لا تتعدى الظن ولا تصل إلى حد الجزم (2) وفي الأحاديث تصريحات بأن من جملة نعماء الله على بعض عباده أنه يسلط عليه ________________________________________ 1 - قوله " بل هو من الشيطان " والشيطان مخلوق الله تعالى والجهل المركب منه لكن خلقه نظير خلق سائر الشرور بالعرض على ما مر في باب الخير والشر ونظيره إزهاق روح الشهداء عند قتل الكفار إياهم فإنه بأمر الله تعالى ومباشرة ملك الموت وإن كان فعل الكفار قبيحا وشرا والجهل المركب الفائض على ذهن الغالط والمخطئ بعد تركيب مقدمات فاسدة نظير إزهاق روح المؤمنين بقتل الكفار، فإن كان المتفكر الغالط مقصرا في ترتيب المقدمات وكان جهلة في أمر الدين كان معاقبا نظير قاتل الشهداء وإن لم يكن مقصرا أو كان خطاؤه في أمر غير الأمر الديني كتناهي الأبعاد والجزء الذي لا يتجزأ فهو معذور. (ش) 2 - قوله " ولا تصل إلى حد الجزم " أن أراد بالجزم: العلم واليقين فهو حق لأن الجهل المركب ليس علما ويقينا، والمأخوذ في العلم أن يكون موافقا للواقع ولكن المشهور المتداول في عرف الناس إطلاق الجزم على الظن الذي لا يلتفت الظان إلى مخالفته للواقع أيضا إذ ربما يحصل لبعض الناس رأي وعقيدة لا يخطر ببالهم غيره حتى يلتفتوا إلى احتمال كونه مخالفا للواقع ويجرون على ما ظنوه كما نرى من جزم الملاحدة بإنكار المبدأ والمعاد ودليلهم أنهما غير محسوسين لهم، ولا ينتبهون لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، وعوام اليهود والنصارى جازمون بمذهبهم تقليدا لآبائهم وقد رد الله تعالى عليهم جميعا ونبههم على خطئهم بقوله قالوا: * (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا إلا الدهر مالهم بذلك من علم أن هم إلا يظنون) * وقال تعالى * (أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) * فنبههم على أن احتمال الخطأ على آبائهم قائم مركوز ذهنهم ومع هذا الاحتمال المغفول عنه جزمهم بالمظنون غير وجيه والعلم والظن صفتان أو عرضان من عوارض ذهن الإنسان يحصل بأسباب معينة ولا يمكن أن يحصل العلم من سبب الظن ولا الظن من سبب العلم كما لا يحصل = (*) ________________________________________