[ 50 ] الخلق ما يرضيه وما يسخطه من الامور الفطرية التي في القلوب بإلهام فطري إلهي (1) وذلك كما قالت الحكماء الطفل يتعلق بثدي امه بإلهام فطري إلهي وتوضيح ذلك أنه تعالى ألهمهم بتلك القضايا، أي خلقها في قلوبهم وألهمهم بدلالات واضحة على تلك القضايا، ثم أرسل إليهم الرسول وأنزل عليه الكتاب فأمر فيه ونهى فيه، وبالجملة لم يتعلق وجوب ولا غيره من التكليفات إلا بعد بلوغ خطاب الشارع، ومعرفة الله تعالى قد حصلت لهم قبل بلوغ الخطاب بطريق إلهام بمراتب وكل من بلغته دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) يقع في قلبه من الله يقين بصدقه فإنه تواتر الأخبار عنهم (عليهم السلام) بأنه " ما من أحد إلا وقد يرد عليه الحق حتى يصدع قلبه قبله أو تركه " وقال في الحاشية عليها قد تواترت الأخبار أن معرفة خالق العالم ومعرفة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ليستا من أفعالنا الاختيارية، وأن على الله بيان هذه الامور وإيقاعها في القلوب بأسبابها (2) وأن على الخلق بعد أن أوقع الله تعالى تلك المعارف الأقرار بها والعزم على العمل بمقتضاها، ثم قال في موضع آخر منها: قد تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بأن طلب العلم فريضة على كل مسلم كما تواترت بأن المعرفة موهبية غير كسبية، وإنما عليهم اكتساب الأعمال فكيف يكون الجمع بينهما ؟ أقول: الذي استفدته من ________________________________________ 1 - قوله " بإلهام فطري إلهي " هذا صحيح ولكن يوجب الاستعداد والتهيؤ وسهولة القبول لا حصول المعرفة بالفعل كما أن تعلق الطفل بثدي أمه وشهوة مص اللبن لا يوجب امتلاء بطنه وشبعه واستغنائه عن الحضانة والإرضاع وتربية الأم وإنما يفيد ذلك رغبة الطفل واستعداده لقبول الإرضاع ولو لم يكن في الطفل شهوة بالفطرة كان رضاعه نظير شرب الدواء بالقهر والكراهة، كذلك استعداد الإنسان لقبول معرفة الله يوجب سهولة تأثير وعظ الأنبياء وتعلم أصول المعارف ولو لم يكن الفطرة لم يسهل عليهم ولتركوا الدين بموت الأنبياء وفقد الأوصياء وغيبتهم. أيضا لو كان قول الأستر آبادي صحيحا وكان الإلهام الفطري كافيا في صيرورة المعارف بالفعل فما معنى قوله: إنه لابد من معلم من جهته تعالى وما فائدة ورود الآيات الكثيرة في القرآن في الحث على التدبر في آيات الله تعالى والاعتبار بالحكم والمصالح ؟ ونعلم أن الأمر بذلك أكثر من آيات التكاليف والفروع ولم يرد في المعاملات والنكاح والحدود إلا آيات معدودة. وأما في معرفة الله تعالى فما من صفحة من صفحات المصحف إلا وفيه شئ في التوحيد والمعرفة. (ش) 2 - قوله " وايقاعها في القلوب بأسبابها " هذا صحيح والله تعالى قضى وقدر حصول العلوم بأسبابها كما قدر وقضى سائر الأمور أيضا بأسبابها ومن أسباب المعرفة انظر أو الاستدلال كما أن سبب الرزق السعي في المكاسب وسبب الشفاء التوسل بالطب والأدوية في الجملة وافاضة الخير من الله تعالى مطلقا. (ش) (*) ________________________________________