[507] سُورَة الحُجُرَات مدنيّة وَعَدَدُ آياتها ثماني عشرة آية "سورة الحجرات" محتوى السورة: هذه السورة التي لا تتجاوز 18 آية تحملُ في ما تحمل مسائل مهمة تتعلّق بشخص النّبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) والمجتمع الإسلامي بعضه ببعض وحيث أنّ أغلب المسائل الأخلاقية تدور في هذه السورة فيمكن أن نسمِّي هذه السورة بـ"سورة الأخلاق والآداب"... ويمكن على الإجمال تقسيم مضامين السورة على النحو التالي: القسم الأوّل: آيات بداية السورة وهي تبين طريقة التعامل مع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وآدابها وما ينبغي على المسلمين مراعاته من أصول عند حضرة النبي. الثّاني: تشتمل هذه السورة على سلسلة من أُصول "الأخلاق الإجتماعية" المهمّة التي إن عمل بها وعلى هداها حفظت المحبّة والصفاء والأمن والإتحاد في المجتمع الإسلامي، وعلى العكس من ذلك لو أهملت تكون سبباً للشقاء والنفاق والتفرّق وعدم الأمن... الثّالث: الأوامر الإرشادية المتعلّقة بكيفية مواجهة الإختلافات والتنازع أو القتال الذي قد يقع بين المسلمين أحياناً... الرابع: يتحدّث عن معيار قيمة الإنسان عند الله وأهمية التقوى!... الخامس: يعالج قضية أنّ الإيمان ليس بالقول فحسب بل لابدّ من ظهور آثاره في أعمال الإنسان والجهاد بالمال والنفس ـ إضافةً إلى الإعتقاد في القلب ـ. السادس: يتحدّث عن أنّ الإيمان والإسلام هما هدية إلهية للمؤمنين وبدلاً من أن يمنّوا بالإسلام أو الإيمان ينبغي أن يشكروا الله على هذه الهدية إذ شملهم بها... السابع: والأخير يتحدّث عن علم الله وإطلاعه وعن جميع أسرار الوجود الخفية وأعمال الإنسان، وهذا القسم بمثابة الضامن لتنفيذ جميع هذه الأقسام الواردة في هذه السورة! وتسمية هذه السورة بسورة "الحجرات" لورود هذه الكلمة في الآية الرابعة منها وسنبيّن تفسيرها في السطور التالية... فضيلة تلاوة هذه السورة! يكفي أن نعرف فضيلة هذه السورة من حديث نقرؤه عن النّبي في فضلها!... "من قرأ سورة الحجرات اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أطاع الله وعصاه". كما نقرأ حديثاً آخر عن الإمام الصادق في فضلها يقول: "من قرأ سورة الحجرات في كلّ ليلة أو في كلّ يوم كان من زوّار محمّد"... وبديهي أنّ كلّ هذه الحسنات التي هي بعدد المطيعين والعاصين إنّما تكون في صورة ما لو أخذنا بنظر الإعتبار كلاً من الفريقين وأن نفكّر جيداً فنجعل مسيرنا وفقاً لمنهج المطيعين ونبتعد عن منهج العاصين. ونيل زيارة النّبي أيضاً فرع على أن نعمل وفق الآداب المذكورة في الحضور عنده (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّ التلاوة في كلّ مكان مقدمة للعمل... * * * الآيات يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ اللهِ وَرسُولِهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( 1 ) يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أَن تَحْبَطَ أَعمَـلُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ( 2 ) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ( 3 ) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ( 4 )وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( 5 ) سبب النّزول ذكر المفسّرون لنزول الآية الأُولى من هذه السورة شأناً بل شؤوناً كما ذكروا لنزول الآيات التي بعدها شؤوناً أُخر! فمن الشؤون التي ذكروها لنزول الآية الأُولى أنّه: حين أراد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتوجّه إلى خيبر رغب في أن يخلّف شخصاً معيّناً مكانه في المدينة وينصّبه خليفةً عنه، فاقترح عمر شخصاً آخر، فنزلت الآية الآنفة وأمرت أن لا تقدموا بين يدي الله ورسوله(91). وقال آخرون: كان بعض المسلمين بين الفينة والأُخرى يقولون لو نزلت فينا آية لكان أفضل، فنزلت الآية أن لا تقدموا بين يدي الله ورسوله(92). وقال بعضهم: إنّ الآية تشير إلى أعمال بعض المسلمين الذين كانوا يؤدّون عباداتهم قبل أوآنها، فنزلت الآية لتنهاهم عن مثل هذه الأعمال(1). وأمّا في شأن الآية الثانية فقد قال المفسّرون إنّ طائفةَ من "بني تميم" وأشرافهم وردوا المدينة، فلمّا دخلوا مسجد النّبي نادوا بأعلى صوتهم من وراء الحجرات التي كانت للنبي: يا محمّد أخرج إلينا. فأزعجت هذه الصرخات غير المؤدّبة النبي، فخرج إليهم فقالوا له: جئناك لنفاخرك فأجز شاعرنا وخطيبنا ليتحدّث عن مفاخر قبيلتنا، فأجازهم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنهض خطيبهم وتحدّث عن فضائلهم الخيالية الوهميّة كثيراً... فأمر النّبي (ثابت بن قيس) أن يردّ عليهم(2) فنهض وخطب خُطبةً بليغة فلم يُبق لخُطبة أولئك من أثر!... ثمّ نهض شاعرهم وألقى قصيدة في مدحهم فنهض "حسان بن ثابت" فردَّ عليه بقصيدة شافية كافية! فقام رجلٌ من أشراف تلك القبيلة واسمه "الأقرع" فقال: إنّ هذا الرجل يعني محمّداً خطيبه أبلغ من خطيبنا وشاعره أجدر من شاعرنا وصدى صوته أبعد مدىً من صوتنا... فأمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تُهدى لهم هدايا ليكتسب قلوبهم إليه فكان أن تأثّروا بمثل هذه المسائل فاعترفوا بنبوّته! فالآيات محل البحث ناظرة إلى هذه القضية والأصوات من خلف الحجرات. وهناك شأن آخر لنزول الآية بل هو يتعلّق بالآية الأولى وما بعدها وهو أنّه في السنة التاسعة للهجرة