@ 179 @ الرابع : الحذف ، وهو في مواضع : منها : أن الذين كفروا ، أي أن القوم الذين كفروا بالله وبك وبما جئت به . ومنها : لا يؤمنون بالله وبما أخبرتهم به عنه . ومنها : ختم الله على قلوبهم فلا تعي وعلى أسماعهم فلا تصغي . ومنها : وعلى أبصارهم غشاوة على من نصب ، أي وجعل على أبصارهم غشاوة فلا يبصرون سبيل الهداية . ومنها : ولهم عذاب ، أي ولهم يوم القيامة عذاب عظيم دائم ، ويجوز أن يكون التقدير : ولهم عذاب عظيم في الدنيا بالقتل والسبي أو بالإذلال ووضع الجزية وفي الآخرة بالخلود في نار جهنم . الخامس : التعميم : وهو في قوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } ، فإنه لو اقتصر على قوله عذاب ولم يقل عظيم لاحتمل القليل والكثير ، فلما وصفه بالعظيم تمم المعنى وعلم أن العذاب الذي وعدوا به عظيم ، إما في المقدار وإما في الإيلام والدوام . السادس : الإشارة ، فإن قوله : { سَوَاء عَلَيْهِمْ } إشارة إلى أن السواء الذي أضيف إليهم وباله ونكاله عليهم ومستعل فوقهم ، لأنه لو أراد بيان أن ذلك من وصفهم فحسب لقال : سواء عندهم ، فلما قال : سواء عليهم ، نبه على أنه مستعل عليهم ، فإن كلمة على للاستعلاء وهو الذي قاله هذا القائل من أن على تشعر بالاستعلاء صحيح ، وأما أنها تدل على أن الكلام تضمن معنى الوبال والنكال عليهم فليس بصحيح ، بل المعنى في قولك سواء عليك وعندك كذا وكذا واحد ، وإن كان أكثر الاستعمال بعلى ، قال تعالى : { سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ * أَوَ لَمْ * تَكُنْ مّنَ الْواعِظِينَ } ، { سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا } ، سواء عليها رحلتي ومقامي ، وكل هذا لا يدل على معنى الوبال والنكاح عليهم . السابع : مجاز التشبيه شبه قلوبهم لتأبيها عن الحق ، وأسماعهم لإضرابها عن سماع داعي الفلاح ، وأبصارهم لامتناعها عن تلمح نور الهداية بالوعاء المختوم عليه المسدود منافذة المغشي بغشاء يمنع أن يصل إليه ما يصلحه ، لما كانت مع صحتها وقوة إدراكها ممنوعة عن قبول الخير وسماعه وتلمح نوره ، وهذا كله من مجاز التشبيه ، إذ الختم والغشاوة لم يوجدا حقيقة ، وهو بالاستعارة أولى ، إذ من شرط التشبيه أن يذكر المشبه والمشبه به . .
2 ( { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } ) ) 2 .
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } ، الناس : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ومرادفه : أناسي ، جمع : إنسان أو إنسي . قد قالت العرب : ناس من الجن ، حكاه ابن خالويه ، وهو مجاز إذ أصله في بني آدم ، ومادته عند سيبويه رحمه الله والفراء : همزة ونون وسين ، وحذفت همزته شذوذاً ، وأصله أناس ونطق بهذا الأصل ، قال تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } ، فمادته ومادة الإنس واحدة . وذهب الكسائي إلى أن مادته نون وواو وسين ، ووزنه فعل مشتق من النوس وهو الحركة ، يقال : ناس ينوس نوساً إذا تحرك ، والنوس : تذبذب الشيء في الهواء ، ومنه نوس القرط في الأذن وذلك لكثرة حركته . وذهب قوم