@ 178 @ بالذات ، كالواحد مع الإثنين ، وليس الواحد علة للاثنين بخلاف القسم الأول . وتقدم بالشرف ، كتقدم الإمام على المأموم . وتقدم بالزمان ، كتقدم الوالد على الولد بالوجود ، وزاد بعضهم سادس وهو : التقدم بالوجود حيث لا زمان . ولما ذكر تعالى حال هؤلاء الكفار في الدنيا ، أخبر بما يؤول إليه أمرهم في الآخرة من العذاب العظيم . ولما كان قد أعد لهم العذاب صير كأنه ملك لهم لازم ، والعظيم هو الكبير . وقيل : العظيم فوق ، لأن الكبير يقابله الصغير ، والعظيم يقابله الحقير . قيل : والحقير دون الصغير ، وأصل العظم في الجثة ثم يستعمل في المعنى ، وعظم العذاب بالنسبة لي عذاب دونه يتخلله فتور ، وبهذا التخلل المتصور يصح أن يتفاضل العرضان كسوادين أحدهما شبع من الآخر ، إذ قد تخلل الآخر ما ليس بسواد . .
وذكر المفسرون في سبب نزول قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } إلى قوله : { عظِيمٌ } ، أقوالاً : أحدها : أنها نزلت في يهود كانوا حول المدينة ، قاله ابن عباس ، وكان يسميهم . الثاني : نزلت في قادة الأحزاب من مشركي قريش ، قاله أبو العالية . الثالث : في أبي جهل وخمسة من أهل بيته ، قاله الضحاك . الرابع : في أصحاب القليب : وهم أبو جهل ، وشيبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن المغيرة . الخامس : في مشركي العرب قريش وغيرها . السادس : في المنافقين ، فإن كانت نزلت في ناس بأعيانهم وافوا على الكفر ، فالذين كفروا معهودون ، وإن كانت لا في ناس مخصوصين وافوا على الكفر ، فيكون عاماً مخصوصاً . ألا ترى أنه قد أسلم من مشركي قريش وغيرها ومن المنافقين ومن اليهود خلق كثير بعد نزول هاتين الآيتين ؟ . .
وذكروا أيضاً أن في هاتين الآيتين من ضروب الفصاحة أنواعاً . الأول : الخطاب العام اللفظ الخاص المعنى . الثاني : الاستفهام الذي يراد به تقرير المعنى في النفس ، أي يتقرر أن الإنذار وعدمه سواء عندهم . { عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ } ، وحقيقة الختم وضع محسوس على محسوس يحدث بينهما رقم يكون علامة للخاتم ، والختم هنا معنوي ، فإن القلب لما لم يقبل الحق مع ظهوره استعير له اسم المختوم عليه فبين أنه من مجاز الاستعارة .